للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(أَتَواصَوْا بِهِ؟) أي أأوصى أولهم آخرهم بتكذيب محمد صلّى الله عليه وسلّم فقبلوا ذلك منهم؟

ثم عدل عن أنّ الذي جمعهم على هذا القول هو التواصي، إلى أن الذي جمعهم على ذلك هو الطغيان فقال:

(بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) أي بل الذي جمعهم على ذلك هو الطغيان وتجاوز حدود الدين والعقل، فقال متأخرهم مثل مقالة متقدمهم.

ثم سلى رسوله بقوله:

(فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ) أي فأعرض عنهم أيها الرسول، ولا تأسف على تخلفهم عن الإسلام فإنك لم تأل جهدا فى الدعوة، وهم ما زادوا إلا عتوا واستكبارا، وطغيانا وإعراضا.

(وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) أي دم على العظة والنصح، فإن الذكرى تنفع من فى قلوبهم استعداد للهداية والرشاد.

أخرج ابن جرير وابن أبى حاتم والبيهقي وجماعة من طريق مجاهد عن على كرم الله وجهه قال: لما نزلت «فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ» لم يبق منا أحد إلا أيقن بالهلكة، إذ أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يتولى عنا، فنزلت «وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ» فطابت أنفسنا.

وبعد أن بين حالهم فى التكذيب ذكر سوء صنيعهم حيث تركوا عبادة الذي خلقهم للعبادة بقوله:

(وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) أي وما خلقتهم إلا ليعرفونى، إذ لولا خلقهم لم يعرفوا وجودى ولا توحيدى، يرشد إلى ذلك ما جاء فى الحديث القدسي «كنت كنزا مخفيا فأردت أن أعرف، فخلقت الخلق فبى عرفونى» قاله مجاهد، وروى عنه أيضا أن المعنى: إلا لآمرهم وأنهاهم، ويدل عليه قوله: «وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ» واختاره الزجاج،

<<  <  ج: ص:  >  >>