للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الإيضاح]

(فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ) أي إن الإنسان إذا أنعم الله عليه وأوسع له فى الرزق- زعم أن هذا الذي هو فيه من السعة- إكرام من الله له، وخيّل إليه الوهم أن الله لا يؤاخذه غلى ما يفعل، فيطغى ويفسد فى الأرض.

(وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ) أي وإن رأى أن رزقه لا يأتيه إلا بقدر ظن أن ذلك إهانة من الله له وإذلال لنفسه.

والإنسان فى الحالين مخطئ مرتكب أشنع وجوه الغفلة، لأن إسباغ النعمة فى الدنيا على أحد لا يدل على أنه مستحق لذلك، ولو دل على هذا لما رأيت عاصيا موسعا عليه فى الرزق، ولا شاهدت كافرا ينعم بصنوف النعم.

ولعل من حكمة الله فى بسط الرزق على بعض الناس وتضييقه على بعض آخر أن وجدان المال سبب للانغماس فى الشهوات، وأنه قاطع عن الاتصال بالله، وأن فقدانه وسيلة لتمحيص المرء وابتلائه ليكون من الصابرين الذين وعدوا بالجنة.

انظر إلى

قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما كان يدعو به ربه من قوله: «اللهم أحينى مسكينا، وأمتنى مسكينا، واحشرني فى زمرة المساكين»

تدرك سر ذلك.

إلى أن من يمتحنهم الله بإسباغ النعمة عليهم يظنون أن الله قد اصطفاهم على عباده ورفعهم فوق سائر خلقه، ثم لا يزال بهم شيطان الغواية حتى يذهبوا مع أهوائهم كل مذهب، ويسيروا فى طريق شهواتهم المهلكة إلى أبعد غاية، لا يرجعون إلى ربهم، ولا يدركون أن ما عنده خير وأبقى.

<<  <  ج: ص:  >  >>