للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحد؟ ما أجهله إذا ظن ذلك، فإن فى الوجود قوة جميع القوى هى المهيمنة على كل قوة، والمسيطرة على كل قدرة، وهى القوّة التي أبدعته، والقدرة التي أنشأته.

ثم ذكر صنفا آخر من الأغنياء البخلاء المرائين فقال:

(يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالًا لُبَداً) أي إنهم إذا طلب إليهم أن يعملوا عملا من أعمال البر قالوا: إننا ننفق الكثير من أموالنا فى المفاخر والمكارم، ولم يعلموا أن المكرمة ما عدّه الله مكرمة، والبرّ ما اعتبره الله برا، فليس من البر إنفاقهم المال فى مشاقة الله ورسوله، ولا إنفاقهم طائل الأموال فى الصدّ عن سبيل الله، والكيد للذين آمنوا بالله ورسوله.

(أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ) أي أيظن ذلك المغتر بماله، المدعى أنه أنفقه فى سبيل الخير- أن الله لم يطلع على أفعاله ولم يعلم ما دعاه إلى الإنفاق؟ إنه لا ينبغى له أن يظن ذلك، فإن البارئ له مطلع على قرارة نفسه، عالم بخبيئات قلبه، لا يعزب عنه شىء فى الأرض ولا فى السماء، عليم بأنه لم ينفق شيئا من ماله فى سبيل الخير المشروع والبر المحمود، وإنما أنفق ما أنفق للرياء والسمعة، أو لمشاقة الله ورسوله، أو فى وجوه أخرى يظنها خيرا وهى خسران وضلال مبين.

وبعد أن أنكر على هؤلاء اغترارهم بقوتهم وكثرة أموالهم- شرع يذكر آثار قدرته الغالبة، ليبين لهم أن هناك قوة لها من الآثار ما هم يشاهدون فقال:

(أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ) فهو إذا أبصر شيئا فإنما يكون ذلك بما خلقنا له من العينين، فهذه النعمة التي يعتز بها إنما هى من عملنا.

(وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ) فإذا أبان عما فى نفسه، فإنما يبين بما وهبنا له من لدنا من تلك الجارحة التي يتكلم بها، فإذا غرّه حديثه، أو قوة حجته، فليس فضل ذلك راجعا إليه، وإنما الفضل لمن وهبه ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>