للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأعين فى قوله «وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ» إما إزالة نورها وإما محو حدقتها، والوجه تارة يراد به الوجه المعروف، وتارة وجه النفس وهو ما تتوجه إليه من المقاصد كما قال تعالى «أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ» وقال «وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ» وقال «فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً» والأدبار واحدها دبر، وهو الخلف والقفا، والارتداد: هو الرجوع إلى الوراء، إما فى الحسيات وإما فى المعاني، ومن الأول الارتداد والفرار فى القتال، ومن الثاني قوله «إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ» ونلعنهم: نهلكهم، كما لعنا أصحاب السبت، أي كما أهلكنا أصحاب السبت، وقيل مسخهم الله وجعلهم قردة وخنازير كما أخرجه ابن جرير عن الحسن.

[المعنى الجملي]

بعد أن نعى على أهل الكتاب فى الآية السالفة اشتراءهم الضلالة بالهدى بتحريفهم بعض الكتاب وإضاعة بعضه الآخر- ألزمهم هنا بالعمل بما عرفوا وحفظوا بأن يؤمنوا بالقرآن، ذلك أن إيمانهم بالتوراة يستدعى الإيمان بما يصدّقها، وحذّرهم من مخالفة ذلك، وتوعدهم بالويل والثبور، وعظائم الأمور.

[الإيضاح]

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ) أي أيها اليهود والنصارى آمنوا بالكتاب الذي جاء مصدقا لما معكم، من تقرير التوحيد والابتعاد عن الشرك، وما يقوّى ذلك الإيمان من ترك الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وتلك هى أصول الدين وأركانه، والمقصد الأسمى من إرسال جميع الرسل، ولا خلاف بينهم فى ذلك، وإنما الخلاف فى التفاصيل وطرق حمل الناس عليها، وهدايتهم بها، وترقيتهم فى معارج الفلاح بحسب السنن التي وضعها الله فى ارتقاء البشر، بتعاقب الأجيال، واختلاف الأزمان.

<<  <  ج: ص:  >  >>