للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقبلوا التحاكم إلى مصدر الطغيان والضلال من أولئك الكهنة والمشعوذين- سواء أكان أبا برزة الأسلمى أم كعب بن الأشرف- دليل على أن الإيمان ليس له أثر فى نفوسهم، بل هى كلمات يقولونها بأفواههم لا تعبر عما تلجلج فى صدورهم، وكيف يزعمون الإيمان بك وكتابك المنزل عليك يأمرهم بالكفر بالجبت والطاغوت فى نحو قوله «وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ» وقوله «فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى» وهم يتحاكمون إليه؟ فألسنتهم تدّعى الإيمان بالله وبما أنزله على رسله، وأفعالهم تدلّ على كفرهم بالله وإيمانهم بالطاغوت وإيثارهم لحكمه.

ويدخل فى هؤلاء كل من يتحاكم إلى الدّجالين كالعرّافين وأصحاب المندل والرمل ومدّعى الكشف والولاية.

وفى الآية إيماء إلى أن من رد شيئا من أوامر الله أو أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم فهو خارج من الإسلام، سواء رده من جهة الشك أو من جهة التمرد، ومن أجل هذا حكم الصحابة بردّة الذين منعوا الزكاة وقتلهم وسبى ذراريهم.

(وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً) أي ويريد الشيطان أن يجعل بينهم وبين الحق مسافة بعيدة، فهم لشدة بعدهم عن الحق لا يهتدون إلى الطريق الموصلة إليه.

والخلاصة- إن الواجب على المسلمين ألا يقبلوا قول أحد ولا يعملوا برأيه فى شىء له حكم فى كتاب الله أو سنة رسوله، وما لا حكم له فيهما فالعمل فيه برأى أولى الأمر، لأنه أقرب إلى المصلحة.

(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً) أي وإذا قيل لأولئك الزاعمين للإيمان الذين يريدون التحاكم إلى الطاغوت:

تعالوا إلى ما أنزل الله فى القرآن لنعمل به ونحكّمه فيما بيننا، وإلى الرسول ليحكم بيننا

<<  <  ج: ص:  >  >>