للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً) أي إن هؤلاء المستضعفين فقدوا النصير والمعين، وتقطعت بهم أسباب الرجاء، فاستغاثوا بربهم ودعوه ليفرّج كربهم ويخرجهم من تلك القرية (مكة) لظلم أهلها لهم ويسخّر لهم بعنايته من يتولى أمرهم وينصرهم على من ظلمهم فيتمكنوا بذلك من الهجرة إليكم ويرتبطوا بكم بأقوى الروابط وهى رابطة الإيمان فهى أقوى من رابطة الأنساب والأوطان، وما كل أحد من المسلمين قدر على الهجرة، فقد كانوا يصدونهم عنها ويعذبون مريديها عذابا شديدا، وما شرع القتال إلا لعدم حرية الدين، وظلم المشركين للمسلمين، فالقتال قبيح ولا يجيزه العقل السليم إلا لإزالة قبيح أشد منه ضررا، والأمور بمقاصدها وغاياتها كما قال:

(الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ) أي إن المؤمنين إنما يقاتلون لأجل إعلاء كلمة الحق، والكافرين إنما يقاتلون اتباعا لوسوسة الشيطان وتزيينا للكفر، فلو ترك المؤمنون القتال لغلب الطغيان وعم الفساد «وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ» .

ثم حث مرة أخرى على القتال وبين لهم ضعف عدوهم فقال:

(فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً) أي فقاتلوا أيها المؤمنون أولياء الرحمن- أولياء الشيطان الذين زين لهم الشيطان بوسوسته وخداعه أن فى الظلم وإهلاك الحرث والنسل شرفا لهم أيّما شرف.

وقد جرت سنة الله أن الحق يعلو والباطل يسفل، وأن الذي يبقى هو الأصلح والأمثل فالذين يقاتلون فى سبيل الله يطلبون ما تقتضيه سنة العمران، والذين يقاتلون فى سبيل الشيطان يطلبون الانتقام والاستعلاء فى الأرض بغير الحق، وتسخير الناس لأغراضهم وشهواتهم، وسنن العمران تأبى ذلك فلا يكون لذلك قوة ولا بقاء، إلا لنومة أهل الحق عن حقهم، فإذا هم أفاقوا من غفوتهم تغلب الحق على الباطل ورده خاسئا محسورا

<<  <  ج: ص:  >  >>