للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقالوا: ما يبكيك يابن رواحة؟ فقال: أما والله ما بى حب الدنيا ولا صبابة بكم، ولكنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ آية من كتاب الله عز وجل، يذكر فيها النار وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا، فلست أدرى كيف لى بالصدور بعد الورود؟ فقال المسلمون: صحبكم الله ودفع عنكم، وردكم إلينا صالحين. ثم خرج القوم، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يودعهم، ثم مضوا حتى نزلوا معان، من أرض الشام، فبلغ الناس أن هرقل قد نزل مآب، من أرض البلقاء، فى مائة ألف من الروم، وانضم إليهم من لخم وجذام والقين وبهراء وبلى، مائة ألف منهم، فلما بلغ ذلك المسلمون أقاموا على معان ليلتين، يفكرون فى أمرهم، وقالوا: نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنخبره بعدد عدونا، فإما أن يمدنا بالرجال، وإما أن يأمرنا بأمره، فنمضى له. فشجع الناس عبد الله بن رواحة، وقال: يا قوم، والله إن التى تكرهون، للتى خرجتم تطلبون الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، ما تقاتلهم إلا بهذا الدين الذى أكرمنا الله به، فانطلقوا فإنما هى إحدى الحسنيين: إما ظهور، وإما شهادة. فقال الناس: قد والله صدق ابن رواحة.

فمضى الناس، حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء، لقيتهم جموع هرقل، من الروم والعرب، بقرية من قرى البلقاء، يقال لها: مشارف، ثم دنا العدو، وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها: مؤتة، فالتقى الناس عندها، فتعبأ لهم المسلمون، فجعلوا على ميمنتهم رجلا من بنى عذرة، يقال له: قطبة بن قتادة، وعلى ميسرتهم رجلا من الأنصار، يقال له: عباية بن مالك، ثم التقى الناس واقتتلوا، فقاتل زيد بن حارثة براية رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شاط «١» فى رماح القوم.


(١) شاط: سال دمه فهلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>