للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسكوت قطع الكلام وقطع الكلام فرع ثبوته وهو لا يتصور فى الغضب فلا يتصور قطعه ايضا فهو محمول على المعنى المجازى الذي هو السكون شبه الغضب بانسان يغرى موسى عليه السلام ويقول له ان أخاك قصر فى كف قومك عن الكفر فاستحق اهانتك وعقوبتك فخذ بشعر رأسه فجره الى نفسك وقل له كذا وكذا والق ما فى يدك من الألواح ثم يقطع الإغراء ويترك الكلام ففيه استعارة مكنية وسكت قرينة الاستعارة قال الحدادي قيل معناه سكت موسى عن الغضب وهذا من المقلوب كما يقال ادخلت قلنسوة فى رأسى يريد ادخلت رأسى فى قلنسوة أَخَذَ الْأَلْواحَ التي القاها وهو دليل على انها لم تتكسر حين القاها وعلى انه لم يرفع منها شىء كما ذهب اليه بعض المفسرين وَفِي نُسْخَتِها اى والحال انه فيما نسخ فيها وكتب نقلا عن الأصل وهو اللوح المحفوظ فان النسخ عبارة عن نقل إشكال الكتابة وتحويلها من الأصل المنقول عنه فاذا كتبت كتابا من كتاب آخر حرفا بعد حرف قلت نسخت هذا الكتاب من ذلك الكتاب اى نقلته منه هُدىً اى بيان للحق وهو مبتدأ وفى نسختها خبره وَرَحْمَةٌ للخلق بإرشادهم الى ما فيه الخير والصلاح كائنة لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ اى يخشون واللام فى لربهم لتقوية عمل الفعل المؤخر كما فى قوله تعالى إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ يعنى انها دخلت جابرة للضعف العارض للفعل بسبب تأخره عن مفعوله وانما خص اهل الرهبة بالذكر لانهم هم المنتفعون بآيات الكتاب فالعبد إذا رغب الى الله بصدق الطلب والى الجنة بحسن العمل ورهب من اليم عذاب فرقته والانقطاع ومن دخول النار فقد أخذ بالخوف والرجاء ووصل بهما الى ما هوى واعلم ان الخشية انما تنشأ عن العلم بصفات الحق سبحانه وعلامة خشية الله تعالى ترك الدنيا والخلق ومحاربة النفس والشيطان قالوا رهبوت خير من رحموت اى لان ترهب خير من ان ترحم وذلك لان التخلية قبل التحلية ومن الترهيبات ما حكى عن يحيى بن زكريا عليهما السلام انه شبع مرة من خبز شعير فنام عن حزبه تلك الليلة فاوحى الله تعالى اليه يا يحيى هل وجدت دارا خيرا لك من دارى او جوارا خيرا لك من جوارى وعزتى وجلالى لو اطلعت على الفردوس اطلاعة لذاب جسمك ولزهقت نفسك اشتياقا الى الفردوس الأعلى ولو اطلعت على نار جهنم اطلاعة لبكيت الصديد بعد الدموع وللبست الحديد بعد المنسوج قال الحسن البصري الكلب إذا ضرب وطرد وجفى عليه وطرح له كسرة أجاب ولم يحقد على ما مضى وذلك من علامة الخاشعين فينبغى لكل مؤمن ان تكون فيه تلك الصفة: قال الحافظ

وفا كنيم وملامت كشيم وخوش باشيم ... كه در طريقت ما كافريست رنجيدن

وفى الحديث (من لم يخف الله خف منه) قال الامام السخاوي معناه صحيح فان عدم الخوف من الله تعالى يوقع صاحبه فى كل محذور ومكروه: وفى المثنوى

لا تخافوا هست نزل خائقان ... هست در خور از براى خائف آن

هر كه ترسد مرورا ايمن كنند ... مر دل ترسنده را ساكن كنند

آنكه خوفش نيست چون كويى مترس ... درس چهـ دهى نيست او محتاج درس

<<  <  ج: ص:  >  >>