للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لان نفى لازم الشيء نفى لنفس ذلك الشيء ببينة فيكون ابلغ من نفى نفس ذلك الشيء وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ سماع تفهم وهم على هذه الحالة العارية عن الخير بالكلية لَتَوَلَّوْا عما سمعوه من الحق ولم ينتفعوا به قط او ارتدوا بعد ما صدقوه وصاروا كأن لم يسمعوه أصلا وَهُمْ مُعْرِضُونَ اى لتولوا على ادبارهم والحال انهم معرضون عما سمعوه بقلوبهم لعنادهم وفيه اشارة الى ان من قدر له الشقاوة فانه يتولى عن المتابعة فى أثناء السلوك ويعرض عن الله وطلبه ويقبل على الدنيا وزخارفها واعلم ان الإنسان خلق فى احسن تقويم قابلا للتربية والترقي مستعدا لكمال لا يبلغه الملك المقرب فهو فى بدء الخلقة دون الملك وفوق الحيوان فبتربية الشريعة يصير فوق الملك فيكون خير البرية وبمخالفة الشريعة ومتابعة الهوى يصير دون الحيوان فيكون شر البرية فيؤول حال من يكون خيرا من الملك الى ان يكون شر الدواب فعلى العاقل ان لا يخالف امر الرسول وشريعته فان الحيوان يستسلم لامره فكيف بالإنسان- حكى- انه جاء رجل فى بعض أسفاره صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله انه كان لى حائط فيه عيشى وعيش عيالى ولى فيه ناضحان والناضخ البعير الذي يستسقى عليه فمنعانى أنفسهما وحائطى وما فيه فلا نقدر ان ندنو منهما فنهض النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى اتى الحائط فقال لصاحبه (افتح) قال أمرهما عظيم قال (افتح) فلما حرك الباب أتيا ولهما جلبة فلما انفرج الباب نظرا الى النبي عليه السلام وبركا ثم سجدا فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤوسهما ثم دفعهما الى صاحبهما وقال (استعملهما واحسن إليهما) فقال القوم تسجد لك البهائم أفلا تأذن لنا فى السجود لك فقال صلى الله تعالى عليه وسلم (ان السجود ليس الا للحى القيوم ولو أمرت أحدا ان يسجد لاحد لامرت المرأة ان تسجد لزوجها) وكل ما امر به النبي عليه السلام او نهى عنه ففيه حكمة ومصلحة ولست بمأمور بالتفتيش عنها وانما يلزم عليك الاطاعة والانقياد فقط. أفترضى لنفسك ان تصدق ابن البيطار فيما ذكره فى العقاقير والأحجار فتبادر الى امتثال ما أمرك به ولا تصدق سيد البشر صلى الله تعالى عليه وسلم فيما يخبر عنه وتتوانى بحكم الكسل عن الإتيان بما امر به او فعل وأنت تحقق انه عليه السلام مكاشف من العالم بجميع الاسرار والحكم كما اخبر عن نفسه وقال (فعلمت علم الأولين والآخرين) ولما اخرجك الله من صلب آدم فى مقام ألست رددت الى أسفل السافلين ثم منه دعيت لترتفع بسعيك وكسبك الى أعلى عليين حيث ما قدر لك على حسب قابليتك ولا يمكنك ذلك الا بأمرين. أحدهما بمحبته صلى الله عليه وسلم وبان تؤثر حبه على نفسك وأهلك ومالك. والثاني بمتابعته صلى الله عليه وسلم فى جميع ما امر به ونهى عنه وبذلك تستحكم مناسبتك به وبكمال متابعتك يحصل لك الارتفاع الى اوج الكمال ومن علامات المحبة حب القرآن وحب تلاوته والا كان من المعرضين عن سلوك طريقته صلى الله عليه وسلم ومن تمام محبته إيثار الفقر والزهد فى الدنيا

كين جهان جيفه است ومردار ورخيص ... بر چنين مردار چون باشم حريص

اللهم اعصمنا من المهالك واجعلنا من السالكين الى خير المسالك يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>