للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وماله وأعطيته مائة من الإبل) فلما بلغه هذا الخبر نزل من الحصن مستخفيا خوفا ان تحبسه ثقيف إذا علموا الحال وركب فرسه وركضه حتى اتى الدهناء محلا معروفا وركب راحلته ولحق برسول الله فادركه بالجعرانة واسلم فرد عليه أهله وماله واستعمله عليه السلام على من اسلم من هوازن وكان مالك بن عوف بعد ذلك ممن افتتح عامة الشام ثم فى القصة إشارات منها ان عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فى تلك الواقعة كانوا فى غاية الكثرة والقوة فلما اعجبوا بكثرتهم صاروا منهزمين فلما تضرعوا فى حال الانهزام الى الله تعالى قواهم حتى هزموا عسكر الكفار وذلك يدل على ان الإنسان متى اعتمد على الدنيا فاته الدين ومتى أطاع الله ورجح الدين على

الدنيا آتاه الله الدين والدنيا على احسن الوجوه. وكما ان اكثر الأسباب الصورية وان كان مدارا للفتح الصوري لكنه فى الحقيقة لا يحصل الا بمحض فضل الله. فكذا كثرة الأعمال والطاعات وان كانت سببا للفتح المعنوي لكنه فى الحقيقة ايضا لا يحصل الا بخصوص هداية الله تعالى فلا بد من العجز والافتقار والتضرع الى الله الغفار: قال الحافظ

تكيه بر تقوى ودانش در طريقت كافريست ... راهرو كر صد هنر دارد توكل بايدش

ومنها ان المؤمن لا يخرج من الايمان وان عمل الكبيرة لانهم قد ارتكبوا الكبيرة حيث هربوا وكان عددهم اكثر من عدد المشركين فسماهم الله تعالى مؤمنين فى قوله ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وذلك لان حقيقة الايمان هو التصديق القلبي فلا يخرج المؤمن عن الاتصاف به الا بما ينافيه ومجرد الاقدام على الكبيرة لغلبة شهوة او غيرة جاهلية او عار أو كسل او خوف خصوصا إذا اقترن به خوف العقاب ورجاء العفو والعزم على التوبة لا ينافيه قال الحافظ

بپوش دامن عفوى بزلت من مست ... كه آب روى شريعت بدين قد نرود

وقال السعدي پرده از روى لطف كو بردار كه اشقيا را اميد مغفرتست ومنها انه صلى الله عليه وسلم لم ينهزم قط فى موطن من المواطن واما ما روى عن سلمة ابن الأكوع رضى الله عنه مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم منهزما فمنهزما حال من سلمة لامن النبي عليه السلام قال القاضي عبد الله بن المرابط من قال ان نبى الله عليه السلام هزم فى بعض غزاوته يستتاب فان تاب فيها ونعمت وإلا قتل فانه نسب اليه ما لا يليق بمنصبه وألحق به نقصا وذلك لا يجوز عليه إذ هو على بصيرة من امره، ويقين من عصمته وقد أعطاه الله تعالى من الشجاعة ورباطة الجاش ما لم يعط أحدا من العالمين فكيف يتصور الانهزام فى حقه

شاهى وملائكه سپاهست ... خلق تو عظيم وحق كواهست

ومنها ان ذا القعدة شهر شريف ينبغى ان يعرف قدره ويجاهد المرء فيه نفسه وهو الثلاثون يوما التي واعد الله فيها موسى عليه السلام وامره ان يصومها حتى يجيىء بعدها الى طور المناجاة والمكالمات والمشاهدات قال كعب الأحبار. رضى الله عنه اختار الله الزمان فاحبه اليه الأشهر الحرم وذو القعدة من الأشهر الحرم بلا خلاف وسمى ذا القعدة لقعودهم فيه عن القتال

<<  <  ج: ص:  >  >>