للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بايجاب العقوبة عليها ونقصتم الثواب الواجب بالإقامة على عهد موسى بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ اى معبودا قالوا أي شىء نصنع قال فَتُوبُوا اى فاعزموا على التوبة والفاء للسببية لان الظلم سبب للتوبة إِلى بارِئِكُمْ اى من خلقكم بريئا من العيوب والنقصان والتفاوت وميز بعضكم من بعض بصور وهيآت مختلفة والتعرض لعنوان البارئية للارشاد بانهم بلغوا من الجهالة أقصاها ومن الغباوة منتهاها حيث تركوا عبادة العليم الحكيم الذي خلقهم بلطيف حكمته بريئا من التفاوت والتنافر الى عبادة البقر الذي هو مثل في الغباوة وان من لم يعرف حقوق منعمه حقيق بان تسترد هي منه ولذلك أمروا بالقتل وفك التركيب وقالوا كيف نتوب قال فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ اى ليقتل البريء منكم المجرم وانما قال أنفسكم لان المؤمنين اخوة وأخو الرجل كانه نفسه قال تعالى وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ يعنى ذكر قتل الأنفس وأراد به قتل الاخوان وهذا كما قال ولا تلمزوا أنفسكم اى ولا تغتابوا إخوانكم من المسلمين كذا في التيسير

وتفسير ابى الليث والفاء للتعقيب وتوبتهم هي قتلهم اى فاعزموا على التوبة فاقتلوا أنفسكم كذا في الكشاف وقال في التفسير الكبير وليس المراد تفسير التوبة بقتل النفس بل بيان ان توبتهم لا تتم ولا تحصل الا بقتل النفس وانما كان كذلك لان الله تعالى اوحى الى موسى عليه السلام ان توبة المرتد لا تتم الا بالقتل ذلِكُمْ اى التوبة والقتل خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ انفع لكم عند الله من الامتناع الذي هو اصرار وفيه عذاب لما ان القتل طهرة من الشرك ووصلة الى الحياة الابدية والبهجة السرمدية فَتابَ عَلَيْكُمْ خطاب منه تعالى اى ففعلتم ما أمرتم به فتاب عليكم بارئكم اى قبل توبتكم وتجاوز عنكم وانما لم يقل فتاب عليهم على ان الضمير للقوم لما ان ذلك نعمة أريد التذكير بها للمخاطبين لا لاسلافهم فان قلت انه تعالى امر بالقتل والقتل لا يكون نعمة قلت ان الله نبههم على عظيم ذنبهم ثم نبههم على ما به يتخلصون من ذلك العظيم وذلك من النعم في الدين إِنَّهُ الله تعالى هُوَ التَّوَّابُ اى الذي يكثر توفيق المذنبين للتوبة ويبالغ في قبولها منهم الرَّحِيمُ كثير الرحمة للمطيعين امره حيث جعل القتل كفارة لذنوبهم: قال السعدي

فرو ماند كانرا برحمت قريب ... تضرع كنانرا بدعوت مجيب

روى انهم لما أمرهم موسى بالقتل قالوا نصبر لامر الله فجلسوا بالافنية محتبين مذعنين وقيل لهم من حل حبوته او مد طرفه الى قاتله او اتقاه بيد او رجل فهو ملعون مردود توبته واصلت القوم عليهم الحناجر اى حملوا عليهم الخناجر ورفعوا وضربوهم بها وكان الرجل يرى ابنه وأباه وأخاه وقريبه وصديقه وجاره فلم يمكنهم المضي لامر الله قالوا يا موسى كيف نفعل فارسل الله ضبابة وسحابة سوداء لا يبصر بعضهم بعضا فكانوا يقتلونهم الى المساء فلما كثر القتل دعا موسى وهارون وبكيا وتضرعا وقالا يا رب هلكت بنوا إسرائيل البقية البقية فكشف الله السحابة ونزلت التوبة وأمرهم ان يكفوا عن القتل فقتل منهم سبعون الفا فكان من قتل شهيدا ومن بقي مغفورة ذنوبه واوحى الى موسى عليه السلام انى ادخل القاتل والمقتول الجنة هذا على رواية ان القاتل من المجرمين على ان معنى قوله فاقتلوا أنفسكم

<<  <  ج: ص:  >  >>