للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ربهم وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ الإخبات الخضوع والخشوع ويستعمل باللام يقال اخبت لله واستعماله بالى فى الآية لتضمينه معنى الاطمئنان والانقطاع. والمعنى اطمأنوا وسكنوا اليه وانقطعوا الى عبادته بالخشوع والتواضع أُولئِكَ المنعوتون بتلك النعوت أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ دائمون لم يأت هنا ضمير الفصل للاشارة والله اعلم الى ان الخلود فيها ليس بمختص بهؤلاء الموصوفين فان المؤمن وان لم يعمل الصالحات مآله الخلود فى الجنة على ما هو مذهب اهل السنة كذا فى حواشى سعدى المفتى وقال فى التأويلات النجمية إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا بطلب الله وطلبوه على أقدام المعاملات الصالحات للطلب المفيدات للوصول الى المطلوب وانابوا الى ربهم بالكلية ولم يطلبوا منه الا هو واطمأنوا به أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ اى ارباب الجنة كما يقال رب الدار لصائب الدار وهم مطلوبوا الجنة لا طلابها وانما هم طلاب الله هم فيها خالدون طلابا مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ الكافر والمؤمن اى حالهما العجيب لان المثل لا يطلق الا على ما فيه غرابة من الأحوال والصفات قال ابن الشيخ لفظ المثل حقيقة عرفية فى القول السائر المشبه مضربه بمورده ثم يستعار للصفة العجيبة والخال الغريبة تشبيها لهما بالقول المذكور فى الغرابة فانه لا يضرب الا ما فيه غرابة كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ اى كهؤلاء فيكون ذواتهم كذواتهم فان تشبيه حال الشيء بحال شىء آخر يستلزم تشبيه الشيء الاول بالثاني فالاعمى والأصم هم الكافرون والبصير والسميع هم المؤمنون. والواو فى والأصم والسميع لعطف الصفة على الصفة كقولك هو الجواد والشجاع فان الادخل فى المبالغة ان يشبه الكافر بالذي جمع بين العمى والصمم كالموتى وذلك ان الكفرة حين لا ينظرون الى ما خلق الله نظر اعتبار ولا يسمعون ما يتلى عليهم من آيات الله سماع تدبر كان بصرهم كلا بصر وسماعهم كلا سماع فكان حالهم لانتفاء جدوى البصر والسماع كحال الموتى الذي فقدوا مصحح البصر والسمع قال ابن الشيخ الأعمى إذا سمع شيأ ربما يهتدى الى الطريق والأصم ربما ينتفع بالاشارة ومن جمع بينهما فلا حيلة له وقس عليه الشخص الذي جمع بين الوصفين الشريفين اللذين هما البصر والسمع فانه يكون بذلك على احسن حال. وقدم الأعمى لكونه اظهر وأشهر فى سوء الحال من الأصم هَلْ يَسْتَوِيانِ يعنى الفريقين المذكورين والاستفهام إنكاري مَثَلًا اى حالا وصفة وهو تمييز من فاعل يستويان منقول من الفاعلية والأصل هل يستوى مثلهما أَفَلا تَذَكَّرُونَ اى أتشكون فى عدم الاستواء وما بينهما من التباين او أتغفلون عنه فلا تتذكرون بالتأمل فيما ضرب لكم من المثل فيكون الإنكار واردا على المعطوفين معا او أتسمعون هذا فلا تتذكرون فيكون راجعا الى عدم التذكر بعد تحقق ما يوجب وجوده وهو المثل المضروب وفى التأويلات النجمية الأعمى الذين لا يبصر الحق حقا والباطل باطلا بل يبصر الباطل حقا والحق باطلا. والأصم من لا يسمع الحق حقا والباطل باطلا بل يسمع الباطل حقا والحق باطلا. والبصير الذي يرى الحق حقا ويتبعه ويرى الباطل باطلا ويجتنبه. والسميع الذي من كان الله سمعه فيسمع به ومن ابصر بالله لا يبصر غير الله ومن

<<  <  ج: ص:  >  >>