للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَعْمالَهُمْ

اللام الاولى موطئة للقسم والثانية جواب للقسم المحذوف ولما بتشديد الميم أصله لمن ما بكسر الميم على انها من الجارة دخلت على ما الموصولة او الموصوفة فلما اجتمعت النون ساكنة مع ميم ما وجب ادغامها فقلبت ميما فاجتمع فى اللفظ ثلاث ميمات فحذفت إحداهن اولاهن كانت المحذوفة أم وسطاهن على اختلاف الأقوال. والمعنى ان جميعهم لمن الذي او لمن خلق او لمن فريق والله ليوفينهم ربك أعمالهم من الايمان وسائر الحسنات والكفر وسائر السيئات اى ليعطينهم ويؤدينهم جزاء أعمالهم خيرا او شرا تاما وافيا كاملا إِنَّهُ اى الله تعالى بِما يَعْمَلُونَ اى بما يعمله كل فرد من المختلفين من الخير والشر خَبِيرٌ بحيث لا يخفى عليه شىء من جلائله ودقائقه فيجازى كلا بحسب عمله وتوفية جزاء الطاعات وعد عظيم وتوفية جزاء المعاصي وعيد عظيم فعلى العاقل ان ينتبه من الغفلة ويجانب ما يخالف امر الله تعالى فان الله تعالى لا يفوته منه شىء

بهمه كار بنده دانا اوست ... بمكافات او توانا اوست

واعلم ان الكلمة الالهية الازلية سبقت بسعادة اهل الايمان وشقاوة

اهل الكفر فهم فى قبضتى الكفر والقهر وإمهالهم وتأخيرهم انما هو لاستكمال السعادة والشقاوة لنفوسهم ولغيرهم فكتاب الله تعالى هو محك النفوس فمن آمن به وعمل باحكامه فقد كملت سعادته ومن كفر به وترك العمل باحكامه فقد كملت شقاوته وكل واحد من الفريق الاول اهل يقين ونجاة وكل واحد من الفريق الثاني اهل شك وهلاك وعادة الله تعالى جارية على تسليط اهل الإنكار على اهل الإقرار لاستخراج ما فى معادن نفوسهم من جواهر أوصافه الشريفة كالصبر على الأذى والتحمل على البلاء والحلم على السفهاء والعفو عن الجهلاء والصفح عمن ليس له حياء لكى يتخلقوا بأخلاق الله تعالى ويظهر بها صدق عبوديتهم وتفاوت درجاتهم فان المراتب ليست بالدعاوى والأماني بل بالحقائق والمعاني: قال المولى الجامى

بي رنج كسى چون نبرد ره بسر گنج ... آن به كه بكوشم بتمنا ننشينم

قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام قدس سره مبانى طريق الصوفية على اربعة أشياء وهى اجتهاد وسلوك وسير وطير فالاجتهاد التحقق بحقائق الايمان والسير التحقق بحقائق الإحسان والطير الجذبة بطريق الجود والإحسان الى معرفة الملك المنان فمنزلة الاجتهاد من السلوك منزلة الاستنجاء من الوضوء فمن لا استنجاء له لا وضوء له فكذا من لا اجتهاد له لا سلوك له ومنزلة السلوك من السير منزلة الوضوء من الصلاة فمن لا وضوء له لا صلاة له فكذا من لا سلوك له لا سير له وبعده الطير وهو الوصول وادنى الانتساب فى هذا الباب محبة اهل الاجتهاد وتصديق الواصلين الى سر المبدأ والمعاد ورعاية جانب المتحققين بحقائق القرآن دون العداوة والبغض والشنآن وفى الحديث القدسي (من عادى لى وليا فقد آذنته بالحرب) اى أعلمته انى محارب له حيث كان محاربا لى بمعاداة أوليائي فاذا كان معادى الولىّ ورافض علومه محاربا لله تعالى فما ظنك بمعادى النبي وتارك كتابه ولا يفلح أحد ممن حارب الله تعالى ورسوله ووارث رسوله فان الله تعالى ذو البطش الشديد فاذا أخذه لم يفلته نسأل الله العافية والوفاء والصفاء ونعوذ به

<<  <  ج: ص:  >  >>