للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ

اى من احدى القريتين مكة والطائف كالوليد بن المغيرة المخزومي وعروة بن مسعود الثقفي وقيل غيرهما وفى التأويلات هو اعلم بمن جعل منهم مظهر صفة لطفه ومن جعل منهم مظهر صفة قهره فى السموات كالملائكة وإبليس والأرض كالمؤمنين والكافرين وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ قال البيضاوي وتبعه ابو السعود اى بالفضائل النفسانية والتبري من العلائق الجسمانية لا بكثرة الأموال والاتباع حتى داود فانه شرفه بما اوحى اليه من الكتاب لا بما اوتى من الملك انتهى يقول الفقير هذا صريح فى انهم متفاضلون فى معنى التبري من العلائق الجسمانية وهو خطأ فان تفاضلهم فى ذلك انما هو على من عداهم من افراد الامة لا على إخوانهم الأنبياء وتحقيقه انه ليس فيهم العلائق الروحانية لمنافاتها الوصول الى الله تعالى والاخذ من عالم القدس ولذا قالوا باب العلم بالله لا ينفتح وفى القلب لمحة للعالم باسره الملك

والملكوت واما العلائق الجسمانية كالملك وكثرة الأزواج والأولاد ونحو ذلك فهى وعدمها سواء بالنسبة إليهم فعيسى ويحيى عليهما السلام مع ماهما عليه من الزهد والتجرد لا فضيلة لهما فى ذلك على داود وسليمان عليهما السلام مع ماهما عليه من الملك وكثرة الأزواج واسناد العلاقة إليهم ولو صورة ليس من الأدب فالوجه ان التفضيل انما هو بالكتاب والرسالة والخلة والتكليم والمعراج والرؤية والشفاعة ونحو ذلك كما قال تعالى تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ الاية والقرآن يفسر بعضه بعضا قال حضرة الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر فضل سليمان عليه السلام بالظهور بمجموع الملك وعيسى بالكلام فى المهد والتأييد بروح القدس واحياء الموتى وخلق الطين طيرا بالاذن ونحو ذلك وموسى بالتكليم واليد والعصا وفرق البحر وانفجار الحجر ونحوها وفضل صالح بخروج ناقة من الحجر ونحوها وهود بالريح العقيم وابراهيم بالنجاة من النار ونحو ذلك ويوسف بالجمال وتأويل الرؤيا ولما تفاضل استعدادهم لتمام التجلي من حيث النبوة تفاضلوا ايضا فانه ليس فى الوجود الا متغذ مرزوق وقد فضل الله بعض المرزوقين على بعض والرزق حسى للجسوم وعقلى للارواح كالعلوم فاما من حيث ولايتهم الذاتية واستنادهم الى الله تعالى فهم نفس واحدة فلا فاضل ولا مفضول ولذا قال عليه السلام (لا تفضلونى بين الأنبياء) وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً تفضيلا له كان زبور داود مائة وخمسين سورة ليس فيها حلال ولا حرام ولا فرائض ولا حدود بل تمجيد وتحميد ودعاء نكر زبورا هنا وعرفه فى الأنبياء حيث قال وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ لانهما واحد كعباس والعباس وفى التأويلات النجمية قوله وَلَقَدْ فَضَّلْنا الآية يشير الى ان الحكمة الازلية اقتضت ارتفاع درجات المقبولين واتضاع دركات المردودين فانهما مظاهر صفة اللطف والقهر ولكل واحد من اللطف والقهر نصيب منه حكمة بالغة فى اظهار كمالات اللطف والقهر من الأزل الى الابد وفضلنا الأنبياء بعضهم على بعض بارتفاع المكان فى القربة وقبول از نظر العناية على حسب سرايته فى الامة وخيريتها ألا ترى انه عليه السلام لما كان أفضل الأنبياء كانت أمته خير الأمم وكتابه أفضل الكتب ففى قوله وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً اشارة الى ان فضل النبي صلى الله عليه وسلم

<<  <  ج: ص:  >  >>