للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أذى القوم وشماتتهم وفى الحديث (إذا أحب الله عبدا ابتلاه فان صبر اجتباه وان رضى اصطفاه) فالواجب على العبد الحمد على البلية لما تضمنته من النعمة فان فقد فالصبر وكلاهما من طريق العبودية وإذا وقف مع الجزع المستفاد من وجود الشفقة على نفسه فهو من غلبة الهوى قال احمد بن حضرويه قدس سره الطريق واضح والدليل لائح والداعي قد اسمع فما التحير بعد هذا الا من العمى وفى الحديث خطابا لابن عباس رضى الله عنهما (ان استطعت ان تعمل لله بالرضى فى اليقين فافعل والا ففى الصبر على ما تكره خير كثير) قال فى شرح الحكم العطائية ثم إذا تأملت ظهر لك ان التحقق بالمعرفة منطو فى وجود البلايا إذ ليست المعرفة الا بتحقق أوصافه تعالى حتى يفنى فى أوصافه كل شىء من وجودك فلا يبقى لك عز مع عزه ولا غنى مع غناه ولا قدرة مع قدرته ولا قوة مع قوته وهذا يتحقق لك بوجود البلية إذ هى مشعرة بقهر الربوبية فافهم هذا وفقنا الله وإياكم للتحقق بحقيقة الحال والتمكن فى مقام الصبر والحمد على جميع الأحوال: وفى المثنوى

صد هزاران كيميا حق آفريد ... كميايى همچوصبر آدم نديد «١»

وذلك لان بالبلاء تحترق الأوصاف الرديئة الخلقية وبالصبر يحصل الأخلاق الالهية والصفات الحقية فَحَمَلَتْهُ قال ابن عباس رضى الله عنهما فاطمأنت مريم الى قول جبريل فدنا منها فنفخ فى جيب درعها فوصلت النفخة الى بطنها فحملت عيسى عقيب النفخ يقول الفقير وصول النفخ الى الجوف لا يحتاج الى منفذ من المنافذ كالفم ونحوه ألا ترى ان الروح حين دخل جسد آدم دخل من اليافوخ وهو وسط الرأس إذا اشتد وقبل اشتداده كما فى رأس الطفل يقال له الفادية بالفاء ثم نزل الى العينين ثم الى الفم ثم الى سائر الأعضاء واعلم ان لعيسى عليه السلام جهة جسمانية وجهة روحانية واحدية جمع للجهتين فاذا نظر الى جهة الجسمانية يظن انه تكون من ماء مريم وإذا نظر الى جهة الروحانية وآثارها من احياء الموتى وخلق الطير من الطين يحكم انه من نفخ جبريل وإذا نظر الى احدية جمعها يقال انه تكون منهما فالتحقيق ان الملك لما تمثل لها بشرا سويا نزل الماء منها الى الرحم لشدة اللذة بالنظر اليه فتكون عيسى من ذلك الماء المتولد عن النفخ الموجب للذة منها فهو من ماء امه فقط خلافا للطبيعيين فانهم ينكرون وجود الولد من ماء أحد الزوجين دون الآخر فان قلت قد ثبت ان ماء الرجل يكون منه العظم والعصب وماء المرأة يكون منه اللحم والدم فكيف جاء عيسى مركبا من هذه الاجزاء قلت خروجه على الصورة البشرية كامل الاجزاء انما هو من أجل امه لان ماءها محقق ومن أجل تمثل جبريل فى صورة البشر فانه انما مثل فى صورة البشر حتى لا يقع التكوين فى هذا النوع الإنساني الا على الحكم المعتاد الذي جرت به العادة غالبا وهو تولده من شخصين إنسانين وقد توهمت فى النفخ الماء فحصل الماء المتوهم ايضا ووجود بعض الأشياء قد يترتب على توهمه كترتب السقوط عن الجذع على توهمه ولاجل تكونه من نفخ جبريل طالت إقامته فى صورة البشر لان للارواح صفة البقاء- روى- ان مولد عيسى عليه السلام كان قبل مولد نبينا عليه السلام بخسمائة وخمس وخمسين سنة وقد بقي بعد


(١) در اواسط دفتر سوم در بيان صبر كردن لقمان عليه السلام إلخ

<<  <  ج: ص:  >  >>