للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جسده حتى بقي العظام والقلب واللسان والأذنان والعينان ولما قصد قلبه الذي هو منبع المعرفة ومعدن النبوة والولاية ولسانه الذي هو مصدر الذكر ومورد التوحيد غار عليه وخاف ان ينقطع عن طاعة الله وتسبيحه بالكلية فانه كان من ضعف الحال بحيث لا يستطيع القيام للصلاة فلما انتهى وقت الابتلاء وحصل الفناء التام فى مقام البلاء وألهمه الله الدعاء ليوصله الى مرتبة البقاء ويتجلى له بالجمال واللقاء بعد الجلال والأذى كما اخبر عنه بقوله إِذْ نادى رَبَّهُ اى دعاه أَنِّي اى بانى مَسَّنِيَ أصابني الضُّرُّ [رنج وسختى] قالوا الضر بالفتح شائع فى كل ضرر وبالضم خاص بما فى النفس من مرض وهزال ونحوهما وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ بين افتقاره اليه تعالى ولم يقل ارحمني لطفا فى السؤال وحفظا للادب فى الخطاب فان اكثر اسئلة الأنبياء فى كشف البلاء عنهم انما هى على سبيل التعريض

وفى النفس حاجات وفيك فطانة ... سكوتى بيان عندها وخطاب

وقال الحافظ

ارباب حاجتيم وزبان سؤال نيست ... در حضرت كريم تمنا چهـ حاجتست

فان قيل أليس صرح زكرياء فى الدعاء قال فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا قلنا هذا سؤال العطاء لا يجمل به التعريض وذلك كشف البلاء فيجمل به التعريض لئلا يشتبه بالشكاية- ويحكى- ان عجوزا تعرضت لسليمان بن عبد الملك فقالت يا امير المؤمنين مشت جرذان بيتي على العصى فقال لها ألطفت فى السؤال لا جرم لاردنها تثب وثب الفهود وملأ بيتها حبا. فهذا القول من أيوب دعاء وتضرع وافتقار لا جزع وشكاية كما هو حال الاضطرار ولذا جاء جوابه بلفظ الاستجابة وقال تعالى فى حقه إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ وعلى تقدير تضمنه الشكاية فقد اشتكى من البلوى اليه تعالى لا الى غيره وهو لا ينافى الصبر الجميل كما قال يعقوب انما أشكو بثي وحزنى الى الله فصبر جميل والعارف الصادق إذا كان متحققا فى معرفته فشكواه حقيقة الانبساط ومناداته تحقيق المناجاة واساه فى بلاء حبيبه حقيقة المباهاة ولسان العشق لسان التضرع والحكاية لا لسان الجزع والشكاية كما أشار العاشق

بشنو از نى چون حكايت ميكند ... از جداييها شكايت ميكند «١»

وفى التأويلات النجمية يشير الى ان كل ما كان لا يوب من الشكر والشكاية فى تلك الحالة كان مع الله لا مع غيره والى ان بشرية أيوب كانت تتألم بالضر وهو يخبر عنها ولكن روحانيته المؤيدة بالتأييد الإلهي تنظر بنور الله وترى فى البلاء كمال عناية المبتلى وعين مرحمته فى تلك الصورة تربية لنفسه ليبلغها مقام الصبر ورتبة نعمة العبدية وهو يخبر عنها ويقول مَسَّنِيَ الضُّرُّ من حيث البشرية بنور فضلك وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ علىّ بانك تترحم علىّ بهذا البلاء ومس الضر وقوة الصبر عليه لتفنى نفسى عن صفاتها وهى العجلة وتبقى بصفاتك ومنها الصبر والصبر من صفات الله لا من صفات العبد كقوله تعالى وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ والصبور هو الله تعالى فَاسْتَجَبْنا لَهُ [پس اجابت كرديم دعاى ويرا] فَكَشَفْنا [پس


(١) در ديباجه دفتر يكم

<<  <  ج: ص:  >  >>