للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شاهدنا وعلمنا تَقَلُّبَ وَجْهِكَ اى تردد وجهك في تصرف نظرك فِي السَّماءِ اى فى جهتها تطلعا للوحى وكان عليه السلام يقع في روعه ويتوقع من ربه ان يحوله الى الكعبة لانها قبلة أبيه ابراهيم واقدم القبلتين وادعى للعرب الى الايمان من حيث انها كانت مفخرة لهم وأمنا ومزارا ومطافا ولمخالفة اليهود فانهم كانوا يقولون انه يخالفنا في ديننا ثم انه يتبع قبلتنا ولولا نحن لم يدر أين يستقبل فعند ذلك كره ان يتوجه الى قبلتهم حتى روى انه صلّى الله عليه وسلم قال لجبريل (وددت ان الله صرفنى عن قبلة اليهود الى غيرها) فقال له جبريل انا عبد مثلك وأنت كريم على ربك فادع ربك وسله ثم ارتفع جبريل وجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلم يديم النظر الى السماء رجاء ان يأتيه جبريل بالذي سأل ربه فانزل الله هذه الآية وأول ما نسخ من المنسوخات هو خمسون صلاة نسخت الى خمس للتخفف ثم تحويل القبلة الى بيت المقدس بمكة امتحانا للمشركين بعد ان كان للمصلى ان يتوجه حيث شاء لقوله تعالى فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ثم تحويلها من بيت المقدس الى الكعبة بالمدينة امتحانا لليهود كذا في تفسير الفاتحة للمولى الفنارى فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً اى فو الله لنعطينكها ولنمكننك من استقبالها من قولك وليته كذا اى صيرته واليا له وولى الرجل ولاية اى تمكن منه او فلنجعلنك تلى سمتها دون سمت بيت المقدس من وليه وليا اى قربه ودنا منه وأوليته إياه ووليته اى أدنيته منه تَرْضاها مجاز عن المحبة والاشتياق لانه عليه السلام لم يكن ساخطا للتوجه الى بيت المقدس كارها له غير راض اى تحبها وتتشوق إليها لا لهوى النفس والشهوة الطبيعية بل لمقاصد دينية وافقت مشيئة الله تعالى فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ اى اصرف وجهك اى اجعل وجهك بحيث يلى شطره ونحوه والمراد بالوجه هاهنا جملة البدن لان الواجب على المكلف ان يستقبل القبلة بجملة بدنه لا بوجهه فقط ولعل تخصيص الوجه بالذكر التنبيه على انه الأصل المتبوع في التوجه والاستقبال والمتبادر من لفظ المسجد الحرام هو المسجد الأكبر الذي فيه الكعبة والحرام المحرم اى المحرم فيه القتال او الممنوع من الظلمة ان يتعرضوا له وفي ذكر المسجد الحرام دون الكعبة إيذان بكفاية مراعاة جهة الكعبة باتفاق بين الحنفية والشافعية لان استقبال عينها للبعيد متعذر وفيه حرج عظيم بخلاف القريب وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ اى في أي موضع كنتم من الأرض من بحر او بر شرق او غرب وأردتم الصلاة فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ فانه القبلة الى نفخ الصور امر لجميع المؤمنين بذلك بعد ما امر به النبي عليه السلام تصريحا بعمومه لكافة العباد من كل حاضر وباد حثا للامة على المتابعة وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ من فريقى اليهود والنصارى لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ اى التحويل الى الكعبة الْحَقُّ اى الثابت كائنا مِنْ رَبِّهِمْ لما ان المسطور في كتبهم انه عليه السلام يصلى الى القبلتين بتحويل القبلة الى الكعبة بعد ما كان يصلى الى بيت المقدس ومعنى من ربهم اى من قبله تعالى لا شىء ابتدعه الرسول صلّى الله عليه وسلم من قبل نفسه فانهم كانوا يزعمون انه من تلقاء نفسه وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ خطاب للمسلمين واليهود جميعا على التغليب فيكون وعدا للمسلمين بالاثابة وجزيل الجزاء ووعيدا وتهديدا لليهود على عنادهم وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ برهان

<<  <  ج: ص:  >  >>