للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السبب باسم المسبب ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ ظلم عليه بالمعاودة الى العقوبة يقال بغى عليه بغيا علا وظلم قال الراغب البغي طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرى تجاوزه او لم يتجاوزه فتارة يعتبر فى القدرة التي هى الكمية وتارة يعتبر فى الوصف الذي هو الكيفية يقال بغيت الشيء إذا طلبت اكثر ما يجب لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ على من بغى عليه لا محالة وهو خبر من إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ مبالغ فى العفو والغفران فيعفو عن المنتصر ويغفر له ما صدر عنه من ترجيح الانتقام على العفو والصبر المندوب إليهما بقوله (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) فالعفو وان اقتضى سابقية الجناية من المعفو عنه لكن الجناية لا تلزم ان تكون بارتكاب المحرم بل قد يعد ترك ما ندم اليه جناية على سبيل الزجر والتغليظ وفى بحر العلوم العفو محاء للذنوب بازالة آثارها من ديوان الحفظة والقلوب بالكلية كى لا يطالبهم بها يوم القيامة ولا يخجلوا عند تذكرها وبان يثبت مكان كل ذنب عملا صالحا كما قال (فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ) غفور اى مريد لازالة العقوبة عن مستحقها من الغفر وهو الستر اى ستور عليهم وقدم العفو لانه ابلغ لانه يشعر بالمحو الذي هو ابلغ من الستر وفيه اشارة الى ان الأليق بالمنتصر والأقرب بحاله ان يعفو ويغفر عن كل من ظلمه ويقابله بالإحسان

بدى را بدى سهل باشد جزا ... اگر مردى احسن الى من أساء

ولا يذكر ما صدر منه من انواع الجفاء والأذى فانه متى فعل ذلك فان الله أكرم الأكرمين اولى ان يفعل ذلك على ان الانتصار لا يؤمن فيه تجاوز التسوية والاعتداء خصوصا فى حال الغضب والحرب والتهاب الحمية فربما كان المنتصر من الظالمين وهو لا يشعر انتهى كلام البحر يقول الفقير سمعت من فى حضرة شيخى وسندى قدس سره وهو يقول الإنسان الكامل كالبحر فمن آذاه واغتابه او قصد اليه بسوء فانه لا يتكدر به بل يعفو عنه ألا يرى ان البول إذا وقع فى البحر فالبحر يطهره وكذا من اجنب إذا دخل البحر واغتسل فانه يتطهر ولا يتغير البحر لا بالبول ولا بدخول الجنب وقال روح الله روحه من قال فى حقنا قولا فاحشا او فعل فعلا مكروها فهو فى حل فانه ارادة الانتقام له او وقوعه فى امر مكروه من باب الشرك فى طريقنا فنحن لا نلتفت اليه أصلا بي الى ما وتر الله لنا من الأمور وكل فعله حسن وقد أخفى جماله فى جلاله وأطال فى ذلك وهو مذكور فى كتابنا المسمى بتمام الفيض قال فى الخلاصة فى كتاب الحدود رجل قال لآخر يا خبيث هل يقول له بل أنت الأحسن ان يكف عنه ولا يجيب ولو رفع الأمر الى القاضي ليؤدب يجوز ومع هذا لو أجاب لا بأس به وفى مجمع الفتاوى فى كتاب الجنايات لو قال لغيره يا خبيث فجازاه بمثله جاز لانه انتصار بعد الظلم وذلك مأذون فيه قال الله تعالى (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) والعفو أفضل قال الله تعالى (فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) وان كانت تلك الكلمة موجبة للحد لا ينبغى له ان يجيبه بمثلها تحرزا عن إيجاب الحد على نفسه انتهى كما قال فى التنوير لو قال لآخر يا زاني فقال الآخر لا بل أنت الزاني حد بخلاف ما لو قال له مثلا يا خبيث فقال أنت تكافئا وفى التنوير ايضا ضرب غيره بغير حق وضربه المضروب يعزران ويبدأ

<<  <  ج: ص:  >  >>