للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفتح أبواب السعادات واطلق على هذا المعنى الذكر الذي هو ادراك مسبوق بالنسيان والله تعالى منزه عن النسيان بطريق المجاز والمشاكلة لوقوعه في صحبة ذكر العبد وَاشْكُرُوا لِي على ما أنعمت عليكم من النعم والذكر بالطاعة هو الشكر فقوله واشكروا لى امر بتخصيص شكرهم به تعالى لاجل افضاله وانعامه عليهم وان لا يشكروا غيره وجعل صاحب التيسير قوله تعالى فاذكرونى امرا بالقول وقوله واشكروا لى امرا بالعمل قال الراغب ان قيل ما الفرق بين شكرت لزيد وشكرت زيدا قيل شكرت له هو ان تعتبر إحسانه الصادر عنه فتثنى عليه بذلك وشكرته إذا لم تلتفت الى فعله بل تجاوزت الى ذكر ذاته دون اعتبار أحواله وأفعاله فهو ابلغ من شكرت له وانما قال واشكروا لى ولم يقل واشكروني علما بقصورهم عن إدراكه بل عن ادراك آلائه كما قال تعالى وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها فأمرهم ان يعتبروا

بعض أفعاله فى الشكر لله وَلا تَكْفُرُونِ بجحد النعم وعصيان الأمر فان قيل لم قال بعد واشكروا لى ولا تكفرون ولم يقتصر على قوله واشكروا لى قلنا لو اقتصر على قوله واشكروا لى لكان يجوز ان يتوهم ان من شكره مرة او على نعمة ما فقد امتثل ولو اقتصر على قوله ولا تكفرون لكان يجوز ان يتوهم ان ذلك نهى عن تعاطى فعل قبيح دون حث على الفعل الجميل فجمع بينهما لازالة هذا التوهم ولان في قوله ولا تكفرون تنبيها على ان ترك الشكر كفران فان قيل لم قال ولا تكفرون ولم يقل ولا تكفروا لى قيل خص الكفر به تعالى بالنهى عنه للتنبيه على انه أعظم قباحة بالنسبة الى كفر نعمه فان كفران النعم قد يعفى عنه بخلاف الكفر به تعالى كذا في تفسير الراغب الاصفهانى قال بعض العلماء لما خص الله هذه الامة بفضل قوة وكمال بصيرة بالنسبة الى بنى إسرائيل قال لهم يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ فامرهم بذكر نعمه المنسية المغفول عنها لينظروا منها الى المنعم وقال لهذه الامة فَاذْكُرُونِي فامرهم ان يذكروه بلا واسطة لقوة بصيرتهم: قال الصائب

در سر هر خام طينت نشئه منصور نيست ... هر سفالى را صداى كاسه فغفور نيست

قال الامام الغزالي الذكر قد يكون باللسان وقد يكون بالقلب وقد يكون بالجوارح فذكرهم إياه باللسان ان يحمدوه ويسبحوه ويمجدوه ويقرأوا كتابه وذكرهم إياه بقلوبهم على ثلاثة انواع. أحدها ان يتفكروا في الدلائل الدالة على ذاته وصفاته ويتفكروا في الجواب عن الشبه العارضة في ملك الله. وثانيها ان يتفكروا في الدلائل الدالة على كيفية تكاليفه وأحكامه وأوامره ونواهيه ووعده ووعيده فاذا عرفوا كيفية التكليف وعرفوا ما في الفعل من الوعد وفي الترك من الوعيد سهل عليهم الفعل. وثالثها ان يتفكروا في اسرار مخلوقات الله تعالى حتى يصير كل ذرة من ذرات المخلوقات كالمرآة المجلوة المحاذية لعالم القدس فاذا نظر العبد إليها انعكس شعاع بصره منها الى عالم الجلال وهذا المقام مقام لا نهاية له واما ذكرهم إياه تعالى بجوارحهم فهو ان تكون جوارحهم مستغرقة في الأعمال التي أمروا بها وخالية عن الأعمال التي نهوا عنها وعلى هذا الوجه سمى الله تعالى الصلاة ذكرا بقوله فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ فصار الأمر بقوله فَاذْكُرُونِي متضمنا لجميع الطاعات ولهذا ذكر عن سعيد بن جبير انه قال اذكروني بطاعتي فاجمله حتى يدخل

<<  <  ج: ص:  >  >>