للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن كلام لا يليق. ومنها انها تسلى قلب المصاب وتقلل حزنه. ومنها انها تقطع طمع الشيطان فى ان يوافقه في كلام لا يليق. ومنها انه إذا سمعه غيره اقتدى به. ومنها انه إذا قال ذلك بلسانه يتذكر بقلبه الاعتقاد الحسن والتسليم لقضاء الله وقدره فان المصاب يدهش عند المصيبة فيحتاج الى ما يذكر له التسليم المذكور وفي الحديث (ما من مصيبة تصيب عبدا فيقول انا لله وانا اليه راجعون اللهم أجرنى من مصيبتى وأخلف لى خيرا منها الا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيرا منها) قال سعيد بن جبير ما اعطى أحد في المصيبة ما اعطى هذه الامة يعنى الاسترجاع ولو أعطيه أحد لاعطى يعقوب ألا تسمع الى قوله في قصة فقد يوسف يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وليس الصبر هو الاسترجاع باللسان بل بالقلب بان يتصور ما خلق لاجله وهو الانقياد لله تعالى فى جميع ما كلفه به من التكاليف والتسليم لقضاء الله وقدره في جميع ما اخذه وأعطاه فان من اختص لله تعالى ملكا وملكا كيف ينازعه في ملكه ولا يرضى بقضائه وملاحظة ان ما في عالم الملك كله لله تعالى يذكر نعم الله وتذكرها يستلزم العلم بان ما أبقى عليه أضعاف ما استرده منه والمبشر به محذوف دل عليه قوله تعالى أُولئِكَ اى الصابرون الموصوفون بما ذكر عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ كائنة مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ اى رحمة ووجه الجمع في الصلوات الدلالة على الكثرة والتكرير واستغنى بتنكير التعظيم في رحمة عن إيرادها بلفظ الجمع ويندرج في رحمته تعالى إيصال المسار ودفع المضار في الدنيا والآخرة وجمع بين الصلاة والرحمة للايذان بان رحمته غير منقطعة فالمعنى عليهم فنون الرحمة المتوالية الفائضة من مالك أمورهم ومبلغهم الى كمالاتهم اللائقة بهم قال بعضهم الصلاة من الله المدح والثناء والتعظيم والرحمة اللطف والإحسان فلا تكرار وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ المختصون بالاهتداء لكل حق وصواب ولذلك استرجعوا واستسلموا لقضاء الله تعالى وعن ابن مسعود رضى الله عنه لان أخر من السماء أحب الى من ان أقول في شىء قضاه الله ليته لم يكن وقال على رضى الله عنه من ضرب بيده على فخذه عند مصيبة فقد حبط اجره اى بطل ثوابه قيل المكاره التي تصيب الإنسان إذا أصابته من قبل الله تعالى يجب الصبر عليها لان ما جاء من جهة العدل الحكيم ليس الا مقتضى عدله وحكمته فيجب عليه ان يرضى لعلمه بانه تعالى لا يقضى الا بالحق وان أصابته من جهة الظلمة فلا يجب عليه ان يصبر عليها بل جاز له ان يمانعه بل يحاربه وان قتل بمحاربته يكون شهيدا واعلم ان البلاء سبب للتصفية كما قال عليه السلام (ما أوذي نبى مثل ما أوذيت) اى ما صفى نبى مثل ما صفيت والوفاء والجفاء سيان عند العشاق كما قال

صائب شكايت از ستم يار چون كند ... هر جا كه عشوه هست وفا وجفا يكيست

قال الحسن رضى الله عنه سمعت جدى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (يا بنى عليك بالقنوع تكن من اغنى الناس وأداء الفرائض تكن من اعبد الناس يا بنى ان في الجنة شجرة يقال لها شجرة البلوى يؤتى باهل البلاء يوم القيامة فلا ينشر لهم ديوان ولا ينصب لهم ميزان يصب عليهم الاجر صبا ثم قرأ انما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) ولو لم يكن في الصبر الا حكاية الطير الذي في عهد سليمان عليه السلام لكفى وذلك ان طيرا في عهد سليمان عليه السلام

<<  <  ج: ص:  >  >>