للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

علىّ وتزيل صفتى وكيفيتى اعلم ان اكثر اهل التفسير حمل البحرين على بحرى فارس والروم فانهما يلتقيان فى البحر المحيط وموضع التقائهما هو مجمع البحرين المذكور فى الكهف ولكن يلزم على هذا ان يكون البحر الاول عذبا والثاني ملحا مع انهم قالوا لا وجود للبحر العذب وذلك لانهما فى الأصل خليجان من المحيط وهو مرّ وان كان أصله عذبا كما قال فى فتح القريب عند قوله تعالى (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) اى العذب فحين خلق الله الأرض من زبده جزر المحيط عن الأرض فاحاط بالعالم احاطة العين لسوادها فالوجه ان يحمل العذب على واحد من الأنهار فان كل نهر عظيم بحر كما فى مختار الصحاح كدجلة نهر بغداد تنصب الى بحر فارس وتدخل فيه وتشقه وتجرى فى خلاله فراسخ لا يتغير طعمها كما ان الماء الذي يجرى فى نهر طبرية نصفه بارد ونصفه حار فلا يختلط أحدهما بالآخر والاوجه ان يمثل بالنيل المبارك والبحر الأخضر وهو بحر فارس الذي هو شعبة من البحر الهندي الذي يتصل بالبحر المحيط وبحر فارس مرّ فانه صرح فى خريدة العجائب انه يتكون فيه اللؤلؤ وانما يتكون فى الملح وذلك ان بحر النيل يدخل فى البحر الأخضر قبل ان يصل الى بحيرة الزنج ويختلط به وهو معنى المرج ولولا اختلاطه بملوحته لما قدر أحد على شربه لشدة حلاوته كما فى انسان العيون وذكر بعضهم ان سيحون وجيحون والنيل والفرات تخرج من قبة من زبرجدة خضراء من جبل عال وتسلك على البحر المظلم وهى احلى من العسل واذكى رائحة من المسك ولكنها تتغير المجاري فالبحر الملح على هذا هو بحر الظلمة وهو البحر المحيط الغربي ويسمى المظلم لكثرة أهواله وارتفاع أمواجه وصعوبته ولا يعلم ما خلفه الا الله تعالى وما قيل ان الماء العذب والماء الملح يجتمعان فى البحر فيكون العذب أسفل والملح أعلى لا يغلب أحدهما على الآخر وهو معنى قوله وحجرا محجورا يخالف ما قال بعضهم ان كل الأنهار تبتدئ من الجبال وتنصب فى البحار وفى ضمن ممرها بطائح وبحيرات فاذا صبت فى البحر المالح وأشرقت الشمس على البحر تصعد الى الجو بخارا وتنعقد غيوما اى ولذا لا يزيد ماء البحار بانصباب الأنهار فيها فهو يقتضى ان يكون الماء العذب أعلى لا أسفل إذ العذب خفيف والملح ثقيل وميل الخفيف الى الأعلى وقال وهب ان الحوت والثور يبتلعان ما ينصب من مياه الأرض فى البحار فلذا لا يزيد ماء البحار فاذا امتلأت أجوافهما من المياه قامت القيامة ولا نهاية لقدرة الله تعالى فقد ذكروا ان بحيرة تنيس تصير عذبة ستة أشهر وتصير ملحا أجاجا ستة أشهر كذا دأبها ابدا قال الكاشفى [محققان برآنند كه بحرين خوف ورجاست كه در دل مؤمن هيچ يك بر ديكرى غلبه نكند كه «لو وزن خوف المؤمن ورجاؤه لاعتدلا» وبرزخ حمايت الهى وعنايت نامتناهى] وفى كشف الاسرار البحر الملح لا عذوبة فيه والعذب لا ملوحة فيه وهما فى الجوهرية واحد ولكنه سبحانه بقدرته غاير بينهما فى الصفة كذلك خلق القلوب بعضها معدن اليقين والعرفان وبعضها محل الشك والكفران وقال بعضهم البحران بحر المعرفة وبحر النكرة فالاول بحر الصفات يفيض لطائفه على الأرواح والقلوب والعقول ويستعد به والعارفون والثاني بحر الذات فانه ملح أجاج لا تتناوله العقول والقلوب والأرواح إذ لا تسير السيارات فى بحار

<<  <  ج: ص:  >  >>