للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الَّذِي خَلَقَنِي [از عدم بوجود آورد] صفة رب العالمين فَهُوَ وحده يَهْدِينِ يرشدنى الى صلاح الدارين بهدايته المتصلة من الخلق ونفخ الروح متجدد على الاستمرار كما ينبئ عنه فاء العطف التعقيبى وصيغة المضارع وذلك ان مبدأ الهداية بالنسبة الى الإنسان هداية الجنين الى امتصاص دم الحيض من الرحم ومنتهاها الهداية الى طريق الجنة والتنعم بلذائذها وأشار قوله (فَهُوَ يَهْدِينِ) الى قطع الأسباب والاكتساب فى النبوة والولاية والخلة بل أشار الى الاصطفاء الأزلي وذلك ان جميع المقامات اختصاصية عطائية غير نسبية حاصلة للعين الثابتة من الفيض الأقدس وظهوره بالتدريج بحصول شرائطه وأسبابه يوهم المحجوب فيظن انه كسبى بالتعمل وليس كذلك فى الحقيقة: قال الحافظ

قومى بجهد وجد نهادند وصل دوست ... قومى دكر حواله بتقدير ميكنند

وَالَّذِي إلخ معطوف على الصفة الاولى وتكرير الموصول فى المواقع الثلاثة للدلالة على ان كل واحدة من الصلات مستقلة باقتضاء الحكم هُوَ وحده يُطْعِمُنِي أي طعام شاء: وبالفارسية [ميخواراند مرا غدايى كه قوام اجزاء بدن منست] وَيَسْقِينِ اى شراب شاء: وبالفارسية [ومى آشاماند مرا شرابى كه موجب تسكين عطش وسبب تربيت أعضاء] اى هو رازقى فمن عنده طعامى وشرابى وليس الإطعام والسقي عبارتين عن مجرد خلق الطعام والشراب له وتمليكهما إياه بل يدخل فيهما إعطاء جميع ما يتوقف الانتفاع بالطعام والشراب عليه كالشهوة وقت المضغ والابتلاع والهضم والدفع ونحو ذلك. ومن دعاء ابى هريرة رضى الله عنه «اللهم اجعل لى ضرسا طحونا ومعدة هضوما ودبرا بثورا» واشارت الآية الى مقام التوكل والرضى والتسليم والتفويض وقطع الأسباب والإقبال اليه بالكلية والاعراض عما سواه صاحب بحر الحقائق [فرمود كه مراد طعام عبوديتست كه دلها بآن زنده شود وشراب طهور تجلى صفت ربوبيت كه أرواح بآن تازه باشد. وذو النون مصرى قدس سره فرمود كه اين طعام طعام معرفتست واين شراب شراب محبت واين بيت خوانده]

شراب المحبة خير الشراب ... وكل شراب سواه سراب

واز فحواى كلام شمه از اسرار كلام حقائق نظام (أبيت عند ربى يطعمنى ويسقينى) پى تواند برد

ترا نوال دمادم ز خانه يطعمنى ... ترا پياله مدام از شراب يسقينى

مرا تو قبله دينى از ان سبب كفتم ... بمردمان كه «لكم دينكم ولى دينى»

وقد اختلف الناس فى الطعام والشراب المذكورين فى الحديث على قولين. أحدهما انه طعام وشراب حسى للفم قالوا وهذه حقيقة اللفظ ولا يوجب العدول عنه ما قال بعضهم كان يؤتى بطعام من الجنة. والثاني ان المراد به ما يغذيه الله به من معارفه وما يفيض على قلبه من لذة مناجاته وقرة عينه بقربه ونعيم محبته وتوابع ذلك من الأحوال التي هى غذاء القلوب ونعيم الأرواح وقرة الأعين وبهجة النفوس قال الشيخ الشهير بافتاده افندى قدس سره انما أكل نبينا عليه السلام فى الظاهر لاجل أمته الضعيفة والا فلا احتياج له الى الاكل والشرب وما روى من انه كان يشد الحجر على بطنه فهو ليس من الجوع بل من كمال لطافته لئلا يصعد الى الملكوت بل يبقى فى عالم الملك ويحصل له الاستقرار فى عالم الإرشاد وقد حكى عن

<<  <  ج: ص:  >  >>