للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يكن له عقب وَتَرَكْنا عَلَيْهِ أبقينا على نوح فِي الْآخِرِينَ من الأمم: وبالفارسية [در ميان پسينيان] سَلامٌ عَلى نُوحٍ اى هذا الكلام بعينه وهو وارد على الحكاية كقولك قرأت سورة أنزلناها فلم ينتصب السلام لان الحكاية لا تزال عن وجهها. والمعنى يسلمون عليه تسليما ويدعون له على الدوام امة بعد امة فِي الْعالَمِينَ بدل من قوله فى الآخرين لكونه ادل منه على الشمول والاستغراق لدخول الملائكة والنقلين فيه. والمراد الدعاء بثبات هذه التحية واستمرارها ابدا فى العالمين من الملائكة والثقلين جميعا. وفى تفسير القرطبي جاءت الحية والعقرب لدخول السفينة فقال نوح لا احملكما لانكما سبب الضر والبلاء فقالا احملنا فنحن نضمن لك ان لا نضر أحدا ذكرك فمن قرأ حين يخاف مضرتهما (سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ) لم يضراه ذكره القشيري وفى التأويلات النجمية يشير بهذا الى ان المستحق لسلام الله هو نوح روح الإنسان لانه ما جاء ان الله سلم على شىء من العالمين غير الإنسان كما قال تعالى ليلة المعراج (السلام عليك ايها النبي ورحمة الله وبركاته) فقال عليه السلام (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) وما قال وعلى ملائكتك المقربين. وانما كان اختصاص الإنسان بسلام من بين العالمين لانه حامل الامانة الثقيلة التي اعرض عنها غيره فكان أحوج شىء الى سلام الله ليعبر بالامانة على الصراط المستقيم الذي هو أدق من الشعرة واحد من السيف ولهذا قال النبي عليه السلام (تكون دعوة الرسل حينئذ رب سلم سلم) وهل سمعت ان يكون لغير الإنسان العبور على الصراط وانما اختصوا بالعبور على الصراط لانهم يؤدون الامانة الى أهلها وهو الله تعالى فلا بد من العبور على صراط الله الموصل اليه لاداء الامانة إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ الكاف متعلقة بما بعدها اى مثل ذلك الجزاء الكامل من اجابة الدعاء وابقاء الذرية والذكر الجميل وتسليم العالمين ابدا نجزى الكاملين فى الإحسان لاجزاء ادنى منه فهو تعليل لما فعل بنوح من الكرامات السنية بانه مجازاة له على إحسانه إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ تعليل لكونه من المحسنين بخلوص عبوديته وكمال إيمانه وفيه اظهار لجلالة قدر الايمان وأصالة امره وترغيب فى تحصيله والثبات عليه وفى كشف الاسرار خص الايمان بالذكر والنبوة اشرف منه بيانا لشرف المؤمنين لا لشرف نوح كما يقال ان محمدا عليه السلام من بنى هاشم قال عباس بن عطاء ادنى منازل المرسلين أعلى مراتب النبيين وادنى مراتب النبيين أعلى مراتب الصديقين وادنى مراتب الصديقين أعلى مراتب المؤمنين ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ اى المغايرين لنوح واهله وهم كفار قومه أجمعين [والإغراق: غرقه كردن يعنى آنكه ديكرانرا بآب كشتيم] وهو عطف على نجيناه. وثم لما بين الانجاء والإغراق من التفاوت وكذا إذا كان عطفا على تركنا وليس للتراخى لان كلا من الانجاء والإبقاء انما هو بعد الإغراق دون العكس كما يقتضيه التراخي وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ اى ممن شايع نوحا وتابعه فى اصول الدين لَإِبْراهِيمَ وان اختلفت فروع شريعتيهما ويجوز ان يكون بين شريعتيهما اتفاق كلى او أكثري وعن ابن عباس رضى الله عنهما من اهل دينه وعلى سنته او ممن شايعه على التصلب

<<  <  ج: ص:  >  >>