للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اى خلقا باطلا لا حكمة فيه بل ليكون مدارا للعلم والعمل ومذكرا للآخرة وما فيها من الحساب والجزاء فان الدنيا لا تخلو عن الصفو والكدر وكل منهما يفصح عما فى الآخرة من الراحة والخطر وايضا ليكون مرآة يشاهد فيها المؤمنون الذين ينظرون بنور الله شواهد صفات الجمال والجلال

جهان مرآت حسن شاهد ماست ... فشاهد وجهه فى كل ذرات

ذلِكَ اى كونه خلقا باطلا خاليا عن الغاية الجليلة والحكمة الباهرة ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا اى مظنون كفار مكة فانهم وان كانوا مقرين بان الله هو الخالق لكن لما اعتقدوا بان الجزاء الذي هو علة خلق العالم باطل لزمهم ان يظنوا ان المعلول باطل ويعتقدوا ذلك فَوَيْلٌ اى فاذا كان مظنونهم هذا فالهلاك كل الهلاك اى فشدة هلاك حاصل: وبالفارسية [پس واى] لِلَّذِينَ كَفَرُوا خبر لويل مِنَ النَّارِ من تعليلية مفيدة لعلية النار لثبوت الويل لهم صريحا بعد الاشعار بعلية ما يؤدى إليها من ظنهم وكفرهم اى فويل لهم بسبب النار المرتبة على ظنهم وكفرهم فلا بد من رؤية الحق حقا والباطل باطلا وتدارك زاد اليوم اى يوم الجزاء ظاهرا وباطنا ليحصل الخلاص والنجاة والنعيم واللذات فى أعلى الدرجات أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أم منقطعة بمعنى بل والهمزة الانكارية اى بل أنجعل المؤمنين المصلحين فى الأرض كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ بالكفر والمعاصي اى لا نجعلهم سواء فلو بطل البعث والجزاء كما يظن الكفار لا ستوت عند الله حال من أصلح ومن أفسد ومن سوى بينهما كان سفيها والله تعالى منزه عن السفه فانما بالايمان والعمل الصالح يرفع المؤمنين الى أعلى عليين ويرد الكافرين الى أسفل سافلين أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ اى كما لا نجعل اهل الايمان والعمل الصالح الذين هم مظاهر صفات لطفنا وجمالنا كالمفسدين الذين هم مظاهر صفات قهرنا وجلالنا كذلك لا نجعل اهل التقوى كالفجار والفجر شق الشيء شقا واسعا والفجور شق سر الديانة. أنكر التسوية اولا بين اهل الايمان والشرك ثم بين اهل التقوى والهوى يعنى من المؤمنين وهو المناسب لمقام التهديد والوعيد كى يخاف من الله تعالى كل صنف بحسب مرتبته ويجوز ان يكون تكرير الإنكار الاول باعتبار وصفين آخرين يمنعان التسوية من الحكيم الرحيم- وروى- ان كفار قريش قالوا للمؤمنين انا نعطى فى الآخرة من الخير ما تعطون بل اكثر فقال تعالى (أَمْ نَجْعَلُ) إلخ وانما قالوا ذلك على تقدير وقوع الآخرة كما سبق من قوله تعالى (وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) وسيجئ فى قوله تعالى (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ) اى فى ثواب الآخرة واعلم ان الله تعالى سوى بين الفريقين فى التمتع بالحياة الدنيا بل الكفار أوفر حظا من المؤمنين لان الدنيا لا تعدل عند الله جناح بعوضة لكن الله جعل الدار الآخرة للذين لا يريدون علوا فى الأرض ولا فسادا وهم المؤمنون المخلصون المنقادون لله ولامره وانما لم يجازهم فى هذه الدار لسعة رحمته وضيق هذه الدار فلذا اخر الجزاء الى الدار الآخرة فاذا ترقى الإنسان من الهوى الى الهدى ومن الفجور الى التقوى أخذ الاجر بالكيل الاوفى ثم لما كان القرآن منبع جميع السعادات والخيرات وصفه

<<  <  ج: ص:  >  >>