للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتعلق به الاسرار غالبا فتعلق علمه تعالى بحالته الاولى متقدم على تعلقه بحالته الثانية إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ مبالغ فى الإحاطة بمضمرات جميع الناس وأسرارهم الخفية المستكنة فى صدورهم بحيث لا تكاد تفارقها أصلا فكيف يخفى عليه ما تسرونه وتجهرون به ويجوز أن يراد بذات الصدور القلوب التي فى الصدور والمعنى انه عليم بالقلوب وأحوالها فلا يخفى عليه سر من اسرارها قال القاشاني انه عليم بذات الصدور لكون تلك السرائر عين علمه فيكف لا يعلم ضمائرها من خلقها وسواها وجعلها مرآئى أسراره ولم يقل ذوات الصدور لارادة الجنس وذات هنا تأنيث ذى بمعنى صاحب حذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه اى عليم بالمضمرات صاحبة الصدور وهى الخواطر القائمة بالقلب من الدواعي والصوارف الموجودة فيه وجعلت صاحبة الصدور بملازمتها لها وحلولها فيها كما يقال للبن ذو الإناء ولولد المرأة وهو جنين ذو بطنها أَلا يَعْلَمُ آيا نداند مَنْ خَلَقَ اى ألا يعلم السر والجهر من أوجد بحكمته جميع الأشياء التي هما من جملتها فهو انكار ونفى لعدم احاطة علمه تعالى بالمضمر والمظهر ومن فاعل يعلم ويجوز أن يكون منصوبا على انه مفعول يعلم والعائد محذوف اى ألا يعلم الله من خلقه وَهُوَ اى والحال انه تعالى وحده اللَّطِيفُ العالم بدقائق الأشياء يرى اثر النملة السوداء على الصخرة الصماء فى الليلة الظلماء الْخَبِيرُ العالم ببواطنها قال القاشاني هو المحيط ببواطن ما خلق وظواهره بل هو هو فى الحقيقة باطنا وظاهرا لا فرق الا بالوجوب والإمكان والإطلاق والتقييد واحتجاب الهوية بالعندية والحقيقة بالشخصية فان قلت ذكر الخبير بعد اللطيف تكرار قلت لا تكرار فيه فانه قال الامام الغزالي رحمه الله انما يستحق اسم اللطيف من يعلم دقائق المصالح وغوامضها وما دق منها وما لطف ثم يسلك فى إيصالها الى المستصلح على سبيل الرفق دون العنف فاذا اجتمع الرفق فى الفعل واللطف فى الإدراك تم معنى اللطف ولا يتصور كمال ذلك فى العلم والفعل الا لله تعالى والخبير هو الذي لا يعزب عنه الاخبار الباطنة فلا يجرى فى الملك والملكوت شىء ولا تتحرك ذرة ولا تسكن ولا تضطرب نفس ولا تطمئن الا ويكون عنده خبرها وهو بمعنى العليم لكن العلم إذا أضيف الى الخفايا الباطنة يسمى خبرة ويسمى صاحبها خبيرا قال بعضهم كنا جماعة من الفراء فأصابتنا فاقة ومجاعة فذهبنا الى ابراهيم الخواص قدس سره وقلت فى نفسى اباسط الشيخ فى أحوالي واحوال هؤلاء الفقراء فلما وقع بصره على قال لى الحاجة التي جئتنى فيها الله عليم بها أم لا فارفعها اليه فسكت ثم انصرفنا فلما وصلنا الى المنزل فتح علينا بشئ وإذا علم العبد انه مطلع على سره عليم بخفي ما فى صدره يكتفى من سؤاله برفع همته اليه وإحضار حاجته فى قلبه من غير أن ينطق بلسانه والله لطيف بعباده ومن لطفه بهم انه يوصل إليهم ما يحتاجون اليه بسهولة فمن قوته رغيف لو تفكر فيه يعلم كم عين سهرت فيه من أول الأمر حتى تم وصلح للاكل من الحارث والباذر للبذر والحاصد والدائس والمذرى والطاحن والعاجن والخابز ويتشعب من ذلك الآلات التي تتوقف عليها هذه الأعمال من الأخشاب ولحجارة والحديد والحبال والدواب بحيث لا تكاد تنحصر وهكذا كل شىء ينعم به على عبده من مطعوم

<<  <  ج: ص:  >  >>