للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتحقيق ذلك ان جوعهم وعطشهم ليسا من قبيل ما هو المعهود منهما فى هذه النشأة من حالة عارضة للانسان عند استدعاء الطبيعة لبدل ما يتحلل من البدن مشوقة له الى المطعوم والمشروب بحيث يتلذذ بهما عند الاكل والشرب ويستغنى بهما عن غيرهما عند استقرارهما فى المعدة ويستفيد منهما قوة وسمنا عند انهضامهما بل جوعهم عبارة عن اضطرارهم عند اضطرارهم النار فى احشائهم الى إدخال شىء كثيف يملأها ويخرج ما فيها من اللهب واما ان يكون لهم شوق الى مطعوم ما او التذاذ به عند الاكل والاستغناء به عن الغير او استفادة قوة فهيهات وكذا عطشهم عبارة عن اضطرارهم عند أكل الضريع والتهابه فى بطونهم الى شىء مائع بارد يطفئه من غير ان يكون لهم التذاذ بشربه او استفادة قوة به فى الجملة وهو المعنى بما روى انه تعالى يسلط عليهم الجوع بحيث يضطرهم الى أكل الضريع فاذا أكلوه يسلط عليهم العطش فيضطرهم الى شرب الحميم فيشوى وجوههم ويقطع أمعاءهم وتنكير الجوع للتحقير اى لا يغنى من جوع ما وتأخير نفى الإغناء عنه المراعاة الفواصل والتوسل به الى التصريح بنفي كلا الامرين إذ لو قدم لما احتيج الى ذكر نفى الاسمان ضرورة استلزام نفى الإغناء عن الجوع إياه بخلاف العكس ولذلك كرر لتأكيد النفي وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ اى ذات بهجة وحسن وضياء مثل القمر ليلة البدر وبالفارسية تازه باشد اثر نعمت درو پيدا. فناعمة من نعم الشيء بالضم نعومة اى صار ناعما لينا ويجوز أن يكون بمعنى متنعمة اى بالنعم الجسمانية والروحانية وهى وجوه المؤمنين فيكون المراد بها حقيقة النعمة وانما لم تعطف على ما قبلها إيذانا بكمال تباين مضمون الجملتين وتقديم حكاية اهل النار لانه ادخل فى تهويل الغاشية وتفخيم حديثها وفيه اشارة الى نعيم اللقاء الذي هو ثمرة اللطافة والنورية التي هى نتيجة التجرد كما قال تعالى وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة فان بالنظر الى الرب يحصل نضرة اى نضرة لِسَعْيِها راضِيَةٌ اى لعملها الذي عملته فى الدنيا حيث شاهدت ثمرته ورأت عاقبته الحميدة فاللام متعلقة براضية والتقدير راضية سعيها فلما تقدم المعمول على العامل الضعيف جيئ باللام لتقوية العمل ويجوز أن تكون لام التعليل اى لاجل سعيها فى طاعة الله راضية جزاءها وثوابها ودخل فى السعى الرياضات والمجاهدات والخلوات فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ اى كائنة او متمكنة فى جنة مرتفعة المحل فان الجنات فوق السموات العلى كما ان النيران تحت الأرضين السبع وايضا هى درجات بعضها أعلى من بعض والدرجة مثل ما بين السماء والأرض فتكون من العلو فى المكان وفى الحديث (ان المتحابين فى الله فى غرف ينظر إليهم اهل الجنة كما ينظر أهل الدنيا الى كواكب السماء) ويجوز أن يكون معنى عالية علية المقدار فتكون من العلو فى القدر والشرف لتكامل ما فيها من النعيم وفيه اشارة الى المقامات العالية المعنوية لانها مقامات اهل الوجاهة والشرف المعنوي فلا يصل إليها أهل التمني والدعوى لا تَسْمَعُ أنت يا مخاطب فالخطاب عام لكل من يصلح له او الوجوه فيكون التاء للتأنيت لا للخطاب فِيها اى فى تلك الجنة العالية لاغِيَةً لغوا من الكلام وهو ما لا يعتد به فهى مصدر كالعافية او كلمة ذات لغو على انها للنسبة او نفسا تلغو على انها اسم فاعل صفة لموصوف

<<  <  ج: ص:  >  >>