للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشياطين ودخول شر الوسواس الخناس فيها والى الأعمال القالبية الحاصلة بالحواس والأعضاء فالقالب أخذ الشرف من القلب وهو من الروح وهو من السر فلذا كان الكل جديرا بالاقسام به لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ اى جنس الإنسان فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ يقال قام انتصب وقام الأمر اعتدل كاستقام وقومته عدلته كما فى القاموس والتقويم تصيير الشيء على ما ينبغى ان يكون عليه فى التأليف والتعديل وعن يحيى بن أكثم القاضي أنه فسر التقويم بحسن الصورة فانه حكى أن ملك زمانه خلا بزوجته فى ليلة مقمرة فقال لها ان لم تكونى احسن من القمر فانت كذا فافتى الكل بالحنث الا يحيى بن أكثم قال لا يحنث فقالوا خالفت شيوخك فقال الفتوى بالعلم ولقد افتى من هو اعلم منا وهو الله تعالى قال لقد خلقنا الإنسان فى احسن تقويم فالانسان احسن الأشياء ولا شىء احسن منه وفى المفردات هو اشارة الى ما خص به الإنسان من بين الحيوان من العقل والفهم وانتصاب القامة الدال على استيلائه على كل ما فى هذا العالم والمعنى كائنا فى احسن ما يكون من التقويم والتعديل صورة ومعنى حيث يراه تعالى مستوى القامة متناسب الأعضاء حسن الشكل كما قال وصوركم فاحسن صوركم اى صوركم احسن تصوير وكذا خلقه متصفا بالصفات الالهية من الحياة والعلم والارادة والقدرة والسمع والبصر والكلام التي هى الصورة الحقيقية الالهية المشار إليها بحوله عليه السلام خلق الله آدم على صورته وعليه يدور معنى قوله عليه السلام من عرف نفسه فقد عرف ربه فالانسان مظهر الجلال والجمال والكمال ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ اى جعلناه من اهل النار الذي هو أقبح من كل قبيح وأسفل من كل سافل لعدم جريانه على موجب ما خلقناه عليه من الصفات التي لو عمل بمقتضاها لكان فى أعلى عليين والحاصل انه حول بسوء حاله من احسن تقويم الى أقبح تقويم صورة ومعنى لأن مسخ الظاهر انما هو من مسخ الباطن فالمراد بالسافلين عصاة المؤمنين وافعل التفضيل هنا يتناول المتعدد المتفاوت وأسفل سافلين اما حال من المفعول اى رددناه حال كونه أسفل سافلين او صفة لمكان محذوف اى رددناه الى مكان هو أسفل امكنة السافلين والاول اظهر ثم هذا بحسب بعض الافراد الانسانية لانغماسهم فى بحر الشهوات الحيوانية البهيمية وانهما كهم فى ظلمات اللذات الجسمانية الشيطانية والسبعية وفيه اشارة الى أن الاعتبار انما هو بالصورة الباطنة لا بالصورة الظاهرة ولذا قال الشيخ سعدى

ره راست بايدنه بالاى راست ... كه كافر هم از روى صورت چوماست

فكم من مصور على احسن الصور فى الظاهر وهو فى الباطن على أقبح الهيئات ولذا يجيئ الناس يوم القيامة أفواجا فان صفاتهم الباطنة تظهر على صورهم الظاهرة فتتنوع صورهم بحسب صفاتهم على انواع وقيل رددناه الى أرذل العمر وهو الهرم بعد الشباب والضعف بعد القوة كقوله تعالى ومن نعمره ننكسه فى الخلق اى نكسناه فى خلقه فتقوس ظهره بعد اعتداله وابيض شعره بعد سواده وكل سمعه وبصره وتغير كل شىء منه

<<  <  ج: ص:  >  >>