للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا نسب الى اللحية من غير قصد المبالغة يقال لحوى فالربانى هو الكامل فى العلم والعمل الشديد التمسك بطاعة الله تعالى ودينه كما يقال رجل الهى إذا كان مقبلا على معرفة الإله وطاعته بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ اى بسبب مثابرتكم على تعليم الكتاب ودراسته اى قراءته وتقديم التعليم على الدراسة لزيادة شرفه عليها وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً بالنصب عطف على ثم يقول ولا مزيدة لتأكيد معنى النفي فى قوله تعالى ما كانَ لِبَشَرٍ ان يستنبئه الله تعالى ثم يأمر الناس بعبادة نفسه ويأمر باتخاذ الملائكة والنبيين أربابا كما قال قريش والصابئون الملائكة بنات الله واليهود والنصارى عزير ابن الله والمسيح ابن الله أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ انكار لما نفى عن البشر والضمير له يعنى أيأمركم بعبادة الملائكة والسجدة للانبياء بعد كونكم مخلصين بالتوحيد لله فانه لوامركم بذلك لكفر ونزع منه النبوة والايمان ومن أتاه الله الكتاب والحكم والنبوة يكون اعلم الناس وأفضلهم فيمنعه ذلك من ادعاء الالوهية فانه تعالى لا يؤتى الوحى والكتاب الا نفوسا طاهرة وأرواحا طيبة فلا يجمع بشر بين النبوة وبين دعاء الخلق الى عبادة غير الله. واعلم ان العلم والدراسة جعلا سببا للربانية التي هى قوة التمسك بطاعة الله وكفى هو دليلا على خيبة سعى من جهد نفسه وكدّ روحه فى جمع العلم ثم لم يجعله ذريعة الى العمل فكان مثل من غرس شجرة حسناء تؤنقه اى تعجبه بمنظرها ولا تنفعه بثمرها فالعمل بغير العلم والعلم بغير العمل لا يثبت كل منهما بانفراده النسبة الى الرب فعلم ان العالم الذي لا يعمل بعلمه منقطع النسبة بينه وبين ربه كالعامل الجاهل فكل منهما ليس من الله فى شىء حيث لم تثبت النسبة الا للتمسك بالعمل المبنى على العلم. قال على رضى الله عنه قصم ظهرى رجلان عالم مهتك وجاهل متنسك لان العالم ينفر الناس عن العلم بتهتكه والجاهل يرغب الناس فى الجهل بتنسكه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعوذ بالله من علم لا ينفع وقلب لا يخشع) فعلى المعلم والمتعلم ان يطلب بعلمه مرضاة الله وبعمله الربانية فمن اشتغل بالتعليم والتعلم لا لهذا المقصد ضاع سعيه وخاب عمله والاشارة ان من دأب اهل الحقيقة تربية الاتباع والمريدين ليكونوا ربانيين متخلقين بأخلاق الربانية العاملين بما يعلمون من الكتاب وبما كانوا يدرسون من العلوم ولا يقنعون على دراستها ولا يفترون بمقالات أخذوها من أفواه القوم وبعض مدعى هذا الشان الذين غلبت عليهم اهواؤهم وصفات بشريتهم يدعون الشيخوخة من رعونة النفس قبل أوانها ويخدعون الخلق بانواع الحيل ويستتبعون بعض الجهلة ويصيدونهم بكلمات أخذوها من الأفواه ويمكرون ببعض اهل الصدق من الطلبة ويقطعون عليهم طريق الحق بان يمنعوهم من صحبة اهل الحق ومشايخ الطريقة ويأمروهم بالتسليم والرضى فيما يعاملونهم ولا يعرفون غيرهم فيعبدونهم من دون الله كما هو دأب اكثر مشايخ زماننا هذا فانه ليس من دأب من يؤتى الكتاب والحكم والنبوة: قال السعدي فى ذم أمثال هؤلاء المشايخ

دمادم بشويند چون كربه روى ... طمع كرده در صيد موشان كوى

رياضت كش از بهر نام وغرور ... كه طبل تهى را رود بانك دور

<<  <  ج: ص:  >  >>