للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طاعتك) قالت عائشة رضى الله عنها يا رسول الله انك لتكثر القول بهذا الدعاء فهل تخشى قال صلى الله عليه وسلم (ما يؤمننى يا عائشة وقلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن فاذا أراد ان يقلب قلبا قلبه) . قال السدى انى لأنظر فى المرآة كل يوم مرارا مخافة ان يكون قد اسود وجهى. والاشارة فى الآيتين ان الله خص السائرين الى الله بالمهاجرة عن الأوطان والمسافرة الى البلدان بمفارقة الخلان والأخدان ومصاحبة الاخوان غير الخوّان ليعتبروا من سنن اهل لسنن فقال تعالى قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ اى امم لهم سنن فَسِيرُوا على سنن اهل السنة فِي الْأَرْضِ فى ارض نفوسكم الحيوانية بالعبور عن أوصافها الدنية وأخلاقها الردية لتبلغوا سماء قلوبكم الروحانية وتتخلقوا بالأخلاق الربانية فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ اى كيف صار حاصل امر النفوس الكذبة بهذه المقامات الروحانية والمكاشفات الربانية عند الوصول إليها هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ اى لاهل الغفلة والغيبة الناسين عهد الميثاق وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ اى وعيان لاهل الهداية والشهود الذاكرين للعهود الذين اتعظوا بالتجارب والتقوى عما سوى الله تعالى. قال بعض العلماء يا مغرور امسك وقس يومك بامسك واتعظ بمن مضى من أبناء جنسك فانك بك قد خللت فى رمسك أين من أسخط مولاه بنيل ما يهواه أين من أفنى عمره فى خطاياه فتذكر أنت أيها الغافل مصارعهم وانظر مواضعهم هل نفعهم رفيق رافقوه او منعهم اما خلوا بخلالهم اما انفردوا بأعمالهم فستصير فى مصيرهم فتدبر أمرك وستسكن فى مثل مساكنهم فاعمر قبرك يا مسرورا بمنزلة الرحب الأنيق ستفارقه يا مشمئزا من التراب ستعانقه اعتبر بمن سبقك فانت لاحقه واذكر العهد الأزلي فزك نفسك حياء من الله لعلك تصل الى ما تهواه من جنات وعيون ومقام كريم ووصال الى رب رحيم قال تعالى فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً فماذا يقعدك عن رفقة الصالحين وهل ترضى لنفسك يا مسكين ان تقف فى مقام الجهال المعتدين اما علمت انك غدا تدان كما تدين أصلح الله أحوالنا وصحح أقوالنا وأفعالنا وأعطانا آمالنا وختمنا بالخير إذا بلغنا آجالنا وَلا تَهِنُوا من الوهن وهو الضعف اى لا تضعفوا عن الجهاد بما أصابكم من الجراح يوم أحد وَلا تَحْزَنُوا على من قتل منكم وهى صيغة نهى ورد للتسكين والتصبير لا النهى عن الحزن وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ اى والحال انكم الأعلون الغالبون دون عدوكم فان مصير أمرهم الى الدمار حسبما شاهدتم فى احوال أسلافهم لان الباطل يكون زهوقا وأصله اعليون فكرهوا الجمع بين اخت الكسرة والضمة إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ والجواب محذوف دل عليه المذكور اى ان كنتم مؤمنين فلا تهنوا ولا تحزنوا فان الايمان يوجب قوة القلب والثقة بصنع الله وقلة المبالاة باعدائه ولا يتعلق بالنهى المذكور لان الجزاء لا يتقدم على الشرط لكونهما كالكلمة الواحدة إِنْ يَمْسَسْكُمْ اى يصبكم قَرْحٌ فتحا وضما اى جراحة فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ اى الكفار ببدر قَرْحٌ مِثْلُهُ قيل قتل المسلمون من الكافرين ببدر سبعين وأسروا سبعين وقتل الكافرون من المسلمين بأحد سبعين وأسروا سبعين والمعنى ان نالوا منكم يوم أحد فقد نلتم منهم قبله يوم بدر ثم لم يضعف ذلك قلوبهم

<<  <  ج: ص:  >  >>