للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجزاء مكرهم عليهم موقوف والحق من قبل الحق تعالى منصور اهله والباطل بنصر الحق مخيب أصله. وقد قيل الباطل يفور ثم يغور. فعلى المؤمن صرف علو الهمة فى الدين وفى تحصيل علم اليقين ولا يتربص للفتوحات الدنيوية ذاهلا عن الفتوحات الاخروية بل عن فتوحات الغيب ومشاهدة الحق فان أهم الأمور هو الوصول الى الرب الغفور. قال ابو يزيد البسطامي قدس سره ان لله خواص من عباده ولو حجبهم فى الجنة عن رؤيته لا ستغاثوا كما يستغيث اهل النار بالخروج من النار ولما كان موسى كليم الله طفلا فى حجر تربية الحق تعالى ما تجاوز حده ولا تعدى قصده بل قال رب انى لما أنزلت الى من خير فقير فلما كبر وبلغ مبلغ الرجال ما رضى بطعام الأطفال بل قال رب أرني أنظر إليك وكان غاية طلبه فى طفوليته هو الطعام والشراب وكان منتهى اربه فى رجوليته هو رفع الحجاب ومشاهدة الأحباب فالباب مفتوح للطلاب لا حاجب عليه ولا بواب وانما المحجوب عن المسبب من وقف مع الأسباب والمشروب حاضر والمحروم من حرم الشراب والمحبوب ناظر والمطرود من وقف وراء الحجاب فمن انس بسواه فهو مستوحش ومن ذكر غيره فهو غافل عنه ومن عول على سواه فهو مشرك فاذا لم يجد اليه سبيلا وفى ظله مقيلا: ونعم ما قيل

تو محرم نيستى محروم از آنى ... ره نامحرمان اندر حرم نيست

إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ

اى يفعلون ما يفعل المخادع من اظهار الايمان وابطان الكفر وَهُوَ خادِعُهُمْ

اى الله تعالى فاعل بهم ما يفعل الغالب فى الخداع حيث تركهم فى الدنيا معصومى الدماء والأموال وأعد لهم فى الآخرة الدرك الأسفل من النار ولم يخلهم فى العاجل من فضيحة وإحلال بأس ونقمة ورعب واثم. وقال ابن عباس رضى الله عنهما انهم يعطون نورا يوم القيامة كما للمؤمنين فيمضى المؤمنون بنورهم على الصراط وينطفئ نور المنافقين فينادون المؤمنين انظرونا نقتبس من نوركم فتناديهم الملائكة على الصراط ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا وقد علموا انهم لا يستطيعون الرجوع قال فيخاف المؤمنون حينئذ ان يطفأ نورهم فيقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا انك على كل شىء قدير وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى

اى متثاقلين متقاعسين كما ترى من يفعل شيأ عن كره لا عن طيب نفس ورغبة. قوله كسالى كأنه قيل ما كسالى فقيل يُراؤُنَ النَّاسَ

اى يقصدون بصلاتهم الرياء والسمعة ليحسبوهم مؤمنين وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ

عطف على يراؤن إِلَّا

ذكرا قَلِيلًا

إذ المرائى لا يفعل الا بحضرة من يرائيه وهو اقل أحواله والمراد بالذكر التسبيح والتهليل. قال فى الكشاف وهكذا ترى كثيرا من المتظاهرين بالإسلام لو صحبته الأيام والليالى لم تسمع منه تهليلة ولا تحميدة ولكن حديث الدنيا يستغرق أوقاته لا يفتر عنه مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ حال من فاعل يراؤن وذلك اشارة الى الايمان والكفر المدلول عليهما بمعونة المقام اى مرددين بينهما متحيرين قد ذبذبهم الشيطان والهوى بينهما وحقيقة المذبذب ما يذب ويدفع عن كلا الجانبين مرة بعده اخرى لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ حال من ضمير مذبذبين اى لا منسوبين الى المؤمنين فيكونون مؤمنين ولا الى الكافرين فيكونون مشركين وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ لعدم استعداده للهداية والتوفيق فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا موصلا الى الحق والصواب فضلا عن ان تهديه اليه والخطاب لكل من يصلح له كائنا من كان

<<  <  ج: ص:  >  >>