للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً لا يغالب فى امر من الأمور من قضية الامتناع عن الاجابة الى مسألة المتعنتين حَكِيماً فى جميع أفعاله التي من جملتها إرسال الرسل وإنزال الكتب لكِنِ اللَّهُ استدراك على مفهوم ما قبله من سؤالهم على وجه التعنت ان ينزل عليهم ما وصفوه من الكتاب فهو بمنزلة قولهم لا نشهد بان الله تعالى بعثك إلينا رسولا حتى ينزل ما سألناه فقال تعالى انهم لا يشهدون بصدقك فى دعوى الرسالة لكن الله يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ من القرآن المعجز الدال على نبوتك ان جحدوك وكذبوك فان إنزال هذا القرآن البالغ فى الفصاحة الى حيث عجز الأولون والآخرون عن معارضته وإتيان ما يدانيه شهادة له عليه السلام بنبوته وصدقه فى دعوى الرسالة من الله تعالى فمعنى شهادة الله تعالى بما انزل اليه إثباته لصحته بإظهار المعجزات كما تثبت الدعاوى بالبينات أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ حال من الفاعل اى ملتبسا بعلمه الخاص الذي لا يعلمه غيره وهو تأليف على نمط بديع يعجز عنه كل بليغ او بعلمه بحال من انزل عليه واستعداده لاقتباس الأنوار القدسية وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ ايضا بنبوتك فان قلت من اين يعلم شهادة الملائكة. قلت من شهادة الله تعالى لان شهادتهم تبع لشهادته وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً على صحة نبوتك حيث نصب لها معجزات باهرة وحججا ظاهرة مغنية عن الاستشهاد بغيرها كأنه تعالى قال يا محمد ان كذبك هؤلاء اليهود فلا تبال بهم فان الله تعالى وهو اله العالمين يصدقك فى دعواك وملائكة السموات ايضا يصدقونك فى ذلك ومن صدقه رب العالمين والملائكة اى ملائكة العرش والكرسي والسموات السبع أجمعون لا ينبغى له ان يلتفت الى تكذيب اخس الناس وهم هؤلاء اليهود إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اى بما انزل الله ويشهد به وهم اليهود وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وهو دين الإسلام من أراد سلوكه بقوله ما نعرف صفة محمد فى كتابنا قَدْ ضَلُّوا بما فعلوا من الكفر والصد عن طريق الحق ضَلالًا بَعِيداً لانهم جمعوا بين الضلال والضلال ولان المضل يكون أعرق فى الضلال وابعد من الانقلاع عنه إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اى بما ذكر آنفا وَظَلَمُوا اى محمدا صلى الله عليه وسلم بانكار نبوته وكتمان نعوته الجليلة ووضع غيرها مكانها او الناس بصدهم عما فيه صلاحهم فى المعاش والمعاد لَمْ يَكُنِ اللَّهُ مريدا لِيَغْفِرَ لَهُمْ لاستحالة تعلق المغفرة بالكافر وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ لعدم استعدادهم للهداية الى الحق والأعمال الصالحة التي هى طريق الجنة والمراد بالهداية المفهومة من الاستثناء بطريق الاشارة خلق الله لاعمالهم السيئة المؤدية بهم الى جهنم عند صرف قدرتهم واختيارهم الى اكتسابها او سوقهم إليها يوم القيامة بواسطة الملائكة والطريق على عمومه والاستثناء متصل وقيل خاص بطريق الحق والاستثناء منقطع خالِدِينَ فِيها حال مقدرة من الضمير المنصوب والعامل فيها ما دل عليه الاستثناء دلالة واضحة كأنه قيل يدخلهم جهنم خالدين فيها أَبَداً نصب على الظرفية رافع لاحتمال حمل الخلود على المكث الطويل وَكانَ ذلِكَ اى جعلهم خالدين فيها عَلَى اللَّهِ يَسِيراً

لاستحالة ان يتعذر عليه شىء من مراداته تعالى. واعلم ان من كان فيه ذرة من النور المرشوش على الأرواح يوم خلقها يخرج به من النار كما قال عليه السلام (يخرج من النار من كان فى قلبه

<<  <  ج: ص:  >  >>