للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بقوله تعالى وَأَنْتُمْ حُرُمٌ من انتهاء حرمة الصيد بانتفاء موجبها والأمر للاباحه بعد الحظر كأنه قيل وإذا حللتم من الإحرام فلا جناح عليكم فى الاصطياد وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ يقال جرمنى فلان على ان صنعت كذا اى حملنى والمعنى لا يحملنكم شَنَآنُ قَوْمٍ اى شدة بغضهم وعداوتهم وهو مصدر شنئت أضيف الى المفعول او الفاعل فالمعنى على الاول بغضكم لبعض فحذف الفاعل وعلى الثاني بغض قوم إياكم فحذف المفعول أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ اى لان منعوكم عن زيارته والطواف به للعمرة عام الحديبية أَنْ تَعْتَدُوا ثانى مفعولى يجرمنكم اى لا يحملنكم شدة بغضكم لهم لصدهم إياكم عن المسجد الحرام على اعتدائكم عليهم وانتقامكم منهم للتشفى وَتَعاوَنُوا اى ليعن بعضكم بعضا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى اى على العفو والإغضاء ومتابعة الأمر ومجانبة الهوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ اى لا

يعن بعضكم بعضا على شىء من المعاصي والظلم للتشفى والانتقام وليس للناس اى يعين بعضهم بعضا على العدوان حتى إذا تعدى واحد منهم على الآخر تعدى ذلك الآخر عليه لكن الواجب ان يعين بعضهم بعضا على ما فيه البر والتقوى. واصل لا تعاونوا لا تتعاونوا فحذف منه احدى التاءين تخفيفا وانما اخر النهى عن الأمر مع تقدم التخلية مسارعة الى إيجاب ما هو مقصود بالذات فان المقصود من إيجاب ترك التعاون على الإثم والعدوان انما هو تحصيل التعاون على البر والتقوى. وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم فقال (البر حسن الخلق والاسم ما حاك فى نفسك وكرهت ان يطلع عليه الناس) وَاتَّقُوا اللَّهَ فى جميع الأمور التي من جملتها مخالفة ما ذكر من الأوامر والنواهي فثبت وجوب الاتقاء فيها بالطريق البرهاني إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ فانتقامه أشد لمن لا يتقيه. واعلم ان شعائر الله فى الحقيقة هى مناسك الوصول الى الله وهى معالم الدين والشريعة ومراسم آداب الطريقة باشارة ارباب الحقيقة فان حقيقة البر هو التفرد للحق وحقيقة التقوى هو الخروج عما سوى الله تعالى فالوصول لا يمكن الا بهما لكنهما خطوتان لا يمكن للمريد الصادق ان يتخطى بها الا بمعاونة شيخ كامل مكمل واصل موصل فانه دليل هذا الطريق: قال الحافظ

بكوى عشق منه بي دليل راه قدم ... كه من بخويش نمودم صد اهتمام ونشد

وقال ايضا

شبان وادئ ايمن گهى رسد بمراد ... كه چند سال بجان خدمت شعيب كند

وفى الآية اشارة الى تعظيم ما عظمه الله من الزمان والمكان والاخوان وقد فضل الأشهر والأيام والأوقات بعضها على بعض كما فضل الرسل والأمم بعضها على بعض لتتسارع القلوب الى احترامها وتتشوق الأرواح الى إحيائها بالتعبد فيها ويرغب الخلق فى فضائلها وفضل الامكنة بعضها على بعض ليعظم الاجر بالإقامة فيها وخلق الله الناس سعيدا وشقيا والعبرة بالخاتمة وكل مخلوق من حيث انه مخلوق الله حسن حتى انه ينبغى ان يكون النظر الى الكافر من حيث انه مخلوق الله لا من حيث كفره وان لم يرض بكفره فعلى الناظر بنظر

<<  <  ج: ص:  >  >>