للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منها فالبعوضة أعطيت على قدر حجمها الحقير كل آلة وعضو أعطيه الفيل الكبير القوى وفيه اشارة الى حال الإنسان وكمال استعداده كما قال عليه السلام (ان الله خلق آدم على صورته) اى على صفته فعلى قدر ضعف الإنسان أعطاه الله تعالى من كل صفة من صفات جماله وجلاله أنموذجا ليشاهد في مرآة صفات نفسه كمال صفات ربه كما قال (من عرف نفسه فقد عرف ربه) وليس لشئ من المخلوقات هذه الكرامة المختصة بالإنسان كما قال تعالى وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ:

قال في المثنوى:

آدم خاكى ز حق آموخت علم تا بهفتم آسمان افروخت علم نام وناموس ملك را در شكست كورئ آنكس كه با حق در شكست قطره دلرا يكى كوهر فتاد كان بگردونها ودرياها نداد چند صورت آخر اى صورت پرست جان بي معنيت از صورت نرست كر بصورت آدمي انسان بدى احمد وبوجهل خود يكسان بدى قال بعضهم ان الله تعالى قوى قلوب ضعفاء الناس بذكر ضعفاء الأجناس وعرف الخلق قدرته فى خلق الضعفاء على هيآت الأقوياء فان البعوض على صغره بهيئة الفيل على كبره وفي البعوض زيادة جناحين فلا يستبعد من كرمه ان يعطى على قليل العمل ما يعطى على كثير العمل من الخلق كما اعطى صغير الجثة مع اعطى كبير الجثة من الخلقة ومن العجيب ان هذا الصغير يؤذى هذا الكبير فلا يمتنع منه ومن لطف الله تعالى انه خلق الأسد بغاية القوة والبعوض والذباب بغاية الضعف ثم اعطى البعوض والذباب جراءة أظهرها في طيرانهما في وجوه الناس وتماديهما في ذلك مع مبالغة الناس في ذبهما بالمذبة وركب الجبن في الأسد واظهر ذلك بتباعده عن مساكن الناس وطرقهم ولو تجاسر الأسد تجاسر الذباب والبعوض لهلك الناس فمن الله تعالى وجعل في الضعيف التجاسر وفي القوى الجبن ومن العجب عجزك عن هذا الضعيف وقدرتك على ذلك الكبير- وحكى- انه خطب المأمون فوقع ذباب على عينه فطرده فعاد مرارا حتى قطع عليه الخطبة فلما صلى احضر أبا هذيل شيخ البصريين في الاعتزال فقال له لم خلق الله الذباب قال ليذل به الجبابرة قال صدقت واجازه بمال كذا في روضة الأخيار ففى خلق مثل الذباب حكم ومصالح قال وكيع لولا الريح والذباب لأنتنت الدنيا ومن الأعاجيب ان هذا الضعيف إذا طار فى وجهك ضاق به قلبك ونغص به عيشك وفسد عليك بستانك وكرمك واعجب منه جراءتك مع ضعفك على ما يورثك العار ويوردك النار فاذا كان جزعك هذا من البعوض فى الدنيا فكيف حالك إذا تسلطت عليك الحيات والعقارب في لظى قال القشيري رحمه الله الخلق فى التحقيق بالاضافة الى قدرة الخالق اقل من ذرة من الهباء في الهواء وسيان في قدرته العرش والبعوضة فلا خلق العرش عليه أعسر ولا خلق البعوضة عليه أيسر سبحانه وتقدس عن لحوق العسر واليسر واعلم انه يمثل الحقير بالحقير كما يمثل العظيم بالعظيم وان كان الممثل أعظم من كل عظيم كما مثل في الإنجيل غل الصدر بالنخالة قال لا تكونوا كمنخل يخرج منه الدقيق الطيب ويمسك النخالة كذلك أنتم تخرج الحكمة من أفواهكم وتبقون الغل في صدوركم ومثل مخاطبة

<<  <  ج: ص:  >  >>