للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تنبيه على انهم استحقوا التعذيب حيث عبدوا غيره تعالى وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ اى فلا عجز ولا استقباح فانك القادر والقوى على الثواب والعقاب الذي لا يثيب ولا يعاقب الا عن حكمة وصواب فان المغفرة مستحسنة لكل مجرم فان عذبت فعدل وان غفرت ففضل. فان قلت مغفرة المشرك قطعية الانتفاء بحسب الوجود وتعذيبه قطعى الوجود فما معنى ان المستعمل فيما كان كل واحد من جانبى وجوده وعدمه جائزا محتمل الوقوع قلت كون غفران المشرك قطعى الانتفاء بحسب الوجود لا ينافى كونه جائز الوجود بحسب العقل فصح استعمال كلمة ان فيهما لانه يكفى فى صحة استعمالها مجرد الإمكان الذاتي والجواز وقيل الترديد بالنسبة الى فرقتين والمعنى ان تعذبهم اى من كفر منهم وان تغفر لهم اى من آمن منهم- روى- انه لما نزلت هذه الآية احيى رسول الله صلى الله عليه وسلم بها ليلته وكان بها يقوم وبها يقعد وبها يسجد ثم قال (أمتي أمتي يا رب) فبكى فنزل جبرائيل عليه السلام فقال الله يقرئك السلام ويقول لك انا سنرضيك فى أمتك ولا نسوءك قالَ اللَّهُ اى يقول الله تعالى يوم القيامة عقيب جواب عيسى عليه السلام مشيرا الى صدقه فى ضمن بيان حال الصادقين الذين هو فى زمرتهم هذا اى يوم القيامة وهو مبتدأ وخبره ما بعده يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ المراد الصدق فى الدنيا فان النافع ما كان حال التكليف فالجانى المعترف يوم القيامة بجنايته لا ينفعه اعترافه وصدقه وكذا الجاني المعترف فى الدنيا بجنايته لا ينفعه يومئذ اعترافه وصدقه فانه ليس المراد كل من صدق فى أي شىء كان بل فى الأمور الدينية التي معظمها التوحيد الذي نحن بصدده والشرائع والاحكام المتعلقة به والصادقون الرسل الناطقون بالصدق الداعون الى ذلك والأمم المصدقون لهم المعتقدون بهم عقدا وعملا لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً كأنه قيل ما لهم من النفع فقيل لهم نعيم دائم وثواب خالد وهو الفوز الكبير. قوله ابدا اى الى الابد تأكيد للخلود يعنى بالفارسية [زمان بود ايشان نهايت ندارد] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بالطاعة وَرَضُوا عَنْهُ بنيل الكرامة والرضوان فيض زائد على الجنات لا غاية وراءه ولذلك قال تعالى ذلِكَ اى نيل الرضوان الْفَوْزُ الْعَظِيمُ اى النجاة الوافرة وحقيقة الفوز نيل المراد وانما عظم الفوز لعظم شأن المطلوب الذي تعلق به الفوز وهو الرضى الذي لا مطلب وراءه أصلا لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما فِيهِنَّ تحقيق للحق وتنبيه على كذب النصارى وفساد ما زعموا فى حق المسيح وامه اى له تعالى خاصة ملك السموات والأرض وما فيهما من العقلاء وغيرهم يتصرف فيها كيف يشاء إيجادا واعداما واماتة واحياء وامرا ونهيا من غير ان يكون لشىء من الأشياء مدخل فى ذلك وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ بالغ فى القدرة منزه عن العجز والضعف ومقدس تبارك وتعالى وتقدس

نيست خلقش را دگر كس مالكى ... شركتش دعوى كند جز هالكى

واحد اندر ملك واو را يار نى ... بندگانش را جز او سالار نى

واعلم ان الآية نطقت بنفع الصدق يوم القيامة فلا ينفع الكذب والرياء بوجه من الوجوه أصلا

<<  <  ج: ص:  >  >>