للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخبروه بما شاهدتم. فانصرف النقباء إلى موسى وأخبروه بالواقعة فأمرهم أن يكتموا ما شاهدوه فلم يقبلوا قوله إلّا رجلان- هما كالب بن يوفنا من سبط يهودا، ويوشع بن نون من سبط افرائيم بن يوسف- فإنهما قالا هي بلاد طيبة كثيرة النعم وأجسامهم عظيمة إلّا أن قلوبهم ضعيفة، وأما العشرة الباقية فإنهم أوقعوا الجبن في قلوب الناس حتى أظهروا الامتناع من غزوهم. والأرض المقدسة هي المطهرة من الآفات، وقيل من الشرك. وزيف بأنها لم تكن وقت الجبارين كذلك. وأجيب بأنها كانت كذلك فيما قبل لأنها كانت مسكن الأنبياء. ثم إنها ما هي؟ فعن عكرمة والسدي وابن زيد هي أريحا. وقال الكلبي: دمشق وفلسطين وبعض الأردن. وقيل: الطور وما حوله. وقيل: بيت المقدس. وقيل: الشام.

ومعنى كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وهبها لكم أو خط في اللوح المحفوظ أنها لكم أو أمركم بدخولها.

قال ابن عباس: كانت هبة ثم حرمها عليهم بشؤم تمردهم وعصيانهم. وقيل: المراد خاص أي مكتوب لبعضهم وحرام على بعضهم. وقيل: إن الوعد كان مشروطا بالطاعة فلما لم يوجد الشرط لم يوجد المشروط. وقيل: حرمها عليهم أربعين سنة فلما مضى الأربعون حصل ما كتب. وفي قوله: كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ تقوية القلوب وأنّ الله سينصرهم مع ضعفهم على الجبارين مع قوّتهم. وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ لا ترجعوا عن الدين الصحيح إلى الشك في نبوّة موسى عليه السلام وإخباره بهذه النصرة، أو لا ترجعوا عن الأرض التي أمرتم بدخولها إلى التي خرجتم عنها. فقد روي أن القوم كانوا قد عزموا على الرجوع إلى مصر فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ في الآخرة بفوت الثواب ولحوق العقاب، أو فترجعوا إلى الذل أو تموتوا في التيه غير واصلين إلى شيء من مطالب الدنيا ومنافع الآخرة. والجبار «فعال» من جبره على الأمر بمعنى أجبره عليه وهو العاتي الذي يجبر الناس على ما يريد وهو اختيار الفراء والزجاج. قال الفراء: لم أسمع «فعالا» من «أفعل» إلّا في حرفين: جبار من أجبر، ودراك من أدرك. ويقال: نخلة جبارة إذا كانت طويلة مرتفعة لا تصل الأيدي إليها. والقوم كانوا في غاية القوّة ونهاية العظم فجبن قوم موسى عنهم حتى قالوا على سبيل المبالغة في الاستبعاد إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ كقوله تعالى:

وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ [الأعراف: ٤٠] قالَ رَجُلانِ هما يوشع وكالب مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا أي بالهداية والثقة بقوله والاعتماد على نصره ومحل أَنْعَمَ اللَّهُ مرفوع صفة لرجلان. ويحتمل أن يكون جملة معترضة. قال القفال: يجوز أن يكون الضمير في يَخافُونَ لبني إسرائيل والعائد إلى الموصول محذوف تقديره من الذين يخافهم بنو إسرائيل وهم الجبارون فعلى هذا الرجلان من الجبارين.

<<  <  ج: ص:  >  >>