للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التفسير:]

افتتح الله تعالى السورة بقوله أَوْفُوا بِالْعُقُودِ وانجر الكلام إلى ما انجرّ والآن عاد الى ما بدأ به والمقصود بيان عتوّ بني إسرائيل وشدة تمردهم أي أخذنا ميثاقهم بخلق الدلائل وخلق العقل الهادي إلى كيفية الاستدلال وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلًا لتعريف الشرائع والأحكام. قال في الكشاف كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ إلخ جملة شرطية وقعت صفة ل رُسُلًا والراجع الى الموصوف محذوف أي رسول منهم. وأقول: الأصوب جعلها جملة مستأنفة جوابا لسائل يسأل كيف فعلوا برسلهم؟ ولهذا كان الوقف على رُسُلًا مطلقا، أما جواب الشرط فاختار في الكشاف أنه محذوف لأن الرسول الواحد لا يكون فريقين ولأنه لا يحسن أن يقال: إن أكرمت أخي أخاك أكرمت فالتقدير: كلما جاءهم رسول منهم ناصبوه أو عادوه وقوله فَرِيقاً كَذَّبُوا جواب قائل: كيف فعلوا؟ وأقول أما أن التركيب المذكور غير مستحسن فعين النزاع، وأما أن الرسول الواحد لا يكون فريقين فتغليط لأن قوله كُلَّما يدل على كثرة مجيء الرسل فلهذا صح جعلهم فريقين ومعنى بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ بما يضاد شهواتهم لرغبتهم عن التكاليف، وفائدة تقديم المفعول وإيراد يَقْتُلُونَ مضارعا ذكرناها في سورة البقرة وزعم في التفسير الكبير أنه ذكر التكذيب بلفظ الماضي لأنه إشارة إلى معاملتهم مع موسى عليه السلام في البتة وتمردهم عن قبول قوله وقد انقضى من ذلك الزمان أدوار كثيرة، وذكر القتل بلفظ المستقبل لأنه رمز إلى ما فعلوا بزكريا ويحيى وعيسى على زعمهم وإن ذلك الزمان قريب فكان كالحاضر. وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ قال علماء الأدب: الأفعال على ثلاثة أضرب: فعل يدل على ثبات الشيء كالعلم والتيقن فيقع بعده أن المشددة الدالة على ثبات الشيء أيضا لتأكيد مقتضاه كقوله وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ [النور: ٢٥] فإن خففت ودخلت على الفعل لم يجز إلا أن يكون مع فعله «قد» أو «سوف» أو «السين» أو حرف نفي ليكون كالعوض من إحدى النونين وقيل: من حذف ضمير الشأن مثل عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ [المزمل: ٢٠] وفعل يدل على خلاف الثبات والاستقرار نحو «أطمع» و «أخاف» و «أرجو» فلا يجيء معه إلا الخفيفة الناصبة للفعل كقوله وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي [الشعراء: ٨٢] وفعل يحتمل المعنيين فيجوز فيه كلا الوجهين كقوله وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ قرىء بالنصب على أن المصدرية، وكون الحسبان بمعنى الظن وبالرفع على أن المخففة أي أنه لا تكون فتنة فخففت أن وحذف ضمير الشأن، ونزل حسبانهم لقوته في صدورهم منزلة العلم، وما يشتمل عليه صلة «أن» و «أنّ» من المسند والمسند إليه سد مسد المفعولين و «كان» تامة. والمعنى: وحسب بنو إسرائيل أنه لا تقع فتنة وهي محصورة في عذاب الدنيا وعذاب الآخرة. وعذاب الدنيا أقسام منها: القحط

<<  <  ج: ص:  >  >>