للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تاليا لتوحيده. ثم أوجب رعاية حقوق الأولاد بعد رعاية حقوق الوالدين. ومعنى مِنْ إِمْلاقٍ أي من خوف الفقر كما صرح بذلك في الآية الأخرى وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ [الإسراء: ٣١] كانوا يدفنون البنات أحياء بعضهم للغيرة وبعضهم لخوف الإملاق وهو السبب الغالب فلذلك أزيل ذلك الوهم بقوله: نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ فكما يجب على الوالد الاتكال في رزق نفسه على الله فكذا القول في حال الولد، قال شمر: أملق لازم ومتعد. أملق الرجل إذا افتقر، وأملق الدهر ما عنده إذا أفسده. وإنما قال هاهنا: نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وقال في سبحان بالعكس لأن التقدير في الآية من إملاق بكم نحن نرزقكم وإياهم، وهناك زيدت الخشية التي تتعلق بالمستقبل فالتقدير خشية إملاق يقع بهم نحن نرزقهم وإياكم، ثم نهى عن قربان الفواحش كلها. ومعنى ما ظهر منها وما بطن كما مر في قوله: وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ [الأنعام: ١٢٠] وفيه أن الإنسان إذا احترز عن المعصية في الظاهر ولم يحترز عنها في الباطن دل على أن احترازه عنها ليس لأجل عبودية الله تعالى وامتثال أمره ولكن لأجل الخوف من مذمة الناس. ثم أفرز من جملة الفواحش قتل النفس المحرمة تنبيها على فظاعتها ولما نيط بها من الاستثناء وهو قوله إِلَّا بِالْحَقِّ وذلك أن قتل النفس المحرمة قد يكون حقا لجرم صدر عنها كما جاء في الحديث «لا يحل دم امرئ مسلم إلا لإحدى ثلاث كفر بعد إيمان وزنا بعد إحصان وقتل نفس بغير حق» «١» وينخرط في سلكه جزاء قاطع الطريق. والحاصل أن الأصل في قتل النفس هو الحرمة وحله لا يثبت إلا لأمر منفصل. ثم لما بيّن النواهي الخمسة أتبعه الكلام الذي يقرب إلى القلوب القبول فقال:

ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ لما في لفظ التوصية من الرأفة والاستعطاف. ومعنى لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ لكي تعقلوا فوائد هذه التكاليف ومنافعها في الدين والدنيا. ثم ذكر أربعة أنواع أخر من التكاليف وذلك قوله: وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي

أي بالخصلة أو الطريقة التي هِيَ أَحْسَنُ

وهي السعي في تثميره وإنمائه ورعاية وجوه الغبطة لأجله كما مر في أول سورة النساء حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ

أي احفظوا ماله إلى هذه الغاية أي أوان الاحتلام ولكن بشرط أن يؤنس منه الرشد. قال الفراء: واحد الأشد شدته في القياس ولم يسمع. وقال أبو الهيثم:

الواحد شدّة كأنعم في نعمة، والشدّة القوّة ومنه قولهم: «بلغ الغلام شدّته» . وقيل: إنه واحد جاء على بناء الجمع كآنك ولا نظير لهما وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ

بالعدل


(١) رواه الترمذي في كتاب الديات باب ١٠. أبو داود في كتاب الحدود باب ١. النسائي في كتاب القسامة باب ٦، ١٤. الدارمي في كتاب السير باب ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>