للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجُوعِ وَالْخَوْفِ

[النحل: ١١٢] ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ الدالة على فضله ورحمته على عباده لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ فيعرفون عظيم النعمة فيه. ثم حذر أولاد آدم من قبول وسوسة الشيطان لأن المقصود من قصص الأنبياء عليهم السلام أن تكون عبرة لمن يسمعها فقال: يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ الفتنة الامتحان، تقول: فتنت الذهب إذا أدخلته النار لتنظر ما جودته.

وقال الخليل: الفتن الإحراق. وورق فتين أي فضة محرقة، قال الله تعالى: يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ [الذاريات: ١٣] من قدر على إخراج الأب من الجنة مع كمال قوته وقرب عهده من فيضان ربه فهو على منع أولاده عن أن يدخلوا الجنة أقدر. ومحل كَما أَخْرَجَ نصب على المصدر أي فتنة مثل إخراج أبويكم لأن هذا الإخراج نوع من الفتنة. ومحل يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما حال أي أخرجهما نازعا لباسهما بأن كان سببا في أن نزع عنهما.

واللام في لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما لام العاقبة أو لام الغرض كما تقدم في قوله: لِيُبْدِيَ لَهُما [الأعراف: ٢٠] قال ابن عباس: يرى آدم سوأة حواء ويرى حواء سوأة آدم وكانا لا يريانها من أنفسهما ولا أحدهما من الآخر. وعن عائشة رضي الله عنها ما رأيت منه ولا رأى مني.

وحمله العلماء على الكراهية لا على التحريم. واختلفوا في اللباس الذي نزع عنهما فقيل:

الثوب الحائل بينهما وبين النظر. وعن سعيد بن جبير: كان لباسهما من جنس الأظفار.

وقيل: اللباس الذي هو ثياب الجنة، قال الكعبي: في الآية دلالة على أن المعاصي والفتن كلها منسوبة إلى الشيطان. وأجيب بأنه لا بد من الانتهاء إلى خالق الكل وموجد القدر والدواعي. ثم علل النهي وأكد التحذير بقوله: إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ أي جماعته من الثلاثة فصاعدا. والقبيل بنو أب واحد. وقال ابن قتيبة: أي أصحابه وجنده. وقال الليث:

هو وقبيله أي وجماعته. مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ أي يكيدون ويغتالون من حيث لا تشعرون.

قال بعض المتكلمين ومنهم المعتزلة: الوجه في أن الإنس لا يرون الجن رقة أجسام الجن ولطافتها، والوجه في رؤية الجن الإنس كثافة أجسام الإنس، والوجه في رؤية الجن بعضهم بعضا أن الله تعالى يقوي شعاع أبصار الجن ويزيد فيه ولو زاد الله في قوة أبصارنا لرأيناهم كما يرى بعضنا بعضا، ولو أنه تعالى كثف أجسامهم وبقيت أبصارنا على هذه الحالة لرأيناهم. وقال أهل السنة: إنهم يرون الإنسان لأنه تعالى خلق في عيونهم إدراكا، والإنس لا يرونهم لأنه تعالى لم يخلق هذا الإدراك في عيون الإنس. قال بعض العلماء: مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ يتناول أوقات الاستقبال من غير تخصيص ففيه دليل على أن الجن لا يرون ولا يظهرون للإنس، وأن إظهارهم أنفسهم ليس في استطاعتهم، وأن زعم من يدعي رؤيتهم فزور ومخرقة. ولو قدر الجن على تغيير صور أنفسهم بأي صورة شاؤا لارتفع الوثوق عن

<<  <  ج: ص:  >  >>