للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسرقة وأخذ الرشوة وقطع الطريق وانتزاع الأموال بوجوه الاحتيال. يروى أنهم كانوا مكاسين لا يدعون شيئا إلا مكسوه، وكانوا إذا دخل الغريب بلدهم أخذوا دراهمه الجياد وقالوا هي زيوف فقطعوها قطعا ثم أخذوها بنقصان ظاهر وأعطوه بدلها زيوفا. الخامس وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وهذا أعم من البخس لشموله الأموال والأعراض والنفوس وكل ما يوجب مفسدة دنيوية أو دينية. والمعنى بعد إصلاح أهلها على حذف المضاف أو هو كقوله بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ [سبأ: ٣٣] أي بعد الإصلاح فيها يعني إصلاح الصالحين من الأنبياء ومتابعيهم العالمين بشرائعهم ذلِكُمْ الذي ذكر من الأمور الخمسة خَيْرٌ لَكُمْ في الإنسانية وحسن الأحدوثة وزيادة البركة لرغبة الناس في متاجرتكم عند اشتهاركم بالأمانة والديانة. ولا يخفى أن حاصل هذه التكاليف الخمسة يرجع إلى التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ مصدقين لي في قولي. ثم فصل بعض ما أجمل فقال وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ قيل: الصراط حقيقة وذلك أنهم كانوا يجلسون على الطرق والمراصد كما كانت تفعل قريش بمكة يخوّفون من آمن بشعيب ويقولون إنه كذاب لا يفتنكم عن دينكم، أو كانوا يقطعون الطرق أو كانوا عشارين. وقيل: إنه مجاز عن الدين أي لا تقعدوا على طريق الدين ومنهاج الحق لأجل أن تمنعوا الناس عن قبوله اقتداء بالشيطان حيث قال لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ [الأعراف: ١٦] ودليل هذا المجاز قوله وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يقال: قعد بمكان كذا أي التصق به، وعلى مكان كذا أي علا ذلك المكان وفيه إذا حل، فحروف الجر تتعاقب في مثل هذا الموضع لتقارب معانيها. ومحل تُوعِدُونَ وما عطف عليه نصب على الحال، نهاهم عن القعود على صراط الله حال الاشتغال بأحد هذه الأفعال. وإنما قال بِكُلِّ صِراطٍ مع أن صراط الحق واحد لأنه يتشعب إلى معالم وحدود وأحكام كثيرة كل منها في نفسه سبيل، وكانوا إذا رأوا أحدا يشرع فيها أوعدوه وصدوه. والضمير في بِهِ راجع إلى كل صراط والتقدير:

توعدون من آمن به وتصدون عنه فوضع الظاهر موضع الضمير زيادة في التقبيح والتفظيع.

ومعنى وَتَبْغُونَها تطلبون لسبيل الله عِوَجاً أي تصفونها للناس بأنها معوجة وذلك بإلقاء الشكوك والشبهات. قال في الكشاف: أو يكون تهكما بهم وأنهم يطلبون لها ما هو محال لأن طريق الحق لا تعوج. ثم ذكرهم نعم الله تعالى لأن ذكر النعم مما يحمل على الطاعة ويبعد عن المعصية فقال وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ أي وقت كونكم قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ قال الزجاج يحتمل كثرة العدد بعد القلة وكثرة الغنى بعد الفقر وكثرة القدرة والشدة بعد الضعف والذلة. قيل: إن مدين بن إبراهيم تزوج بنت لوط فولدت فرمى الله في نسلها

<<  <  ج: ص:  >  >>