للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تدبيره في أهل القرى لا يجري على نمط واحد فقال ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ وهي كل ما يسوء صاحبه الْحَسَنَةَ وهي ما يستحسنه الطبع والعقل أي أعطيناهم بدل ما كانوا فيه من الفقر والضر والسعة والصحة حَتَّى عَفَوْا كثروا ونموا في أنفسهم وأموالهم من قولهم عفا النبات والشحم والوبر ومنه

قوله صلى الله عليه وسلم: «وأعفوا اللحى» «١»

وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ كما هو دأب الأشرين يقولون هذه عادة الدهر في أهله يوم محنة ويوم منحة. والمراد أنهم لم ينتفعوا بتدبير الله تعالى فيهم من رجاء بعد شدّة وأمن بعد خوف وراحة بعد عناء فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً آمن ما كانوا عليه ليكون ذلك أعظم من الحسرة وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ بنزول العذاب. والحكمة في جميع هذه الحكايات اعتبار من سمعها ووعاها وتعريف أن العصيان سبب الحرمان عن الخيرات وسد لجميع أبواب السعادات ولهذا قال وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى أي جنسها أو القرى المذكورة في قوله وما أرسلنا في قرية آمَنُوا بما يجب به الإيمان في باب المبدأ والمعاد وَاتَّقَوْا كل ما نهى الله عنه لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أي لأتيناهم بالخير من كل وجه أو أراد القطر والنبات.

والمراد بفتح البركات عليهم تيسير أسباب النجاح كقولهم: فتحت على القارئ إذا يسرت القراءة عليه بالتلقين وَلكِنْ كَذَّبُوا الرسل فَأَخَذْناهُمْ بالجدب والمحل وهو ضد البركة والخير بِما كانُوا يَكْسِبُونَ أي بشؤم كسبهم وهو الكفر والمعاصي. ثم خوف المكلفين نزول العذاب عليهم في الوقت الذي يكونون فيه في غاية الغفلة وهو حال النوم بالليل وحال الضحى بالنهار، لأنه الوقت الذي يغلب على المرء فيه التشاغل باللذات والمهمات فقال أَفَأَمِنَ قال في الكشاف: الهمزة للإنكار والفاء للعطف على قوله فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً والآية بينهما اعتراض والتقدير: أبعد ذلك أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا، وأمنوا أن يأتيهم بأسنا ضحى؟ فلهذا عطف الثانية بالواو. وأما قوله أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فتكرير لقوله أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى فلهذا رجع فعطف بالفاء. قلت: يجوز أن يقدّر المعطوف عليه بعد الهمزة والمعنى: أفعلوا ما فعلوا فأمن وأما من قرأ «أو» ساكنة فمعناه إما أحد الشيئين ويرجع المعنى إلى قولنا فأمنوا إحدى هذه العقوبات، وإما للإضراب كما تقول: أنا أخرج ثم تقول أو أقيم. على أن المراد هو الإضراب عن الخروج وإثبات للإقامة أي لا بل أقيم. ومعنى بَياتاً قد تقدم في أوّل السورة. وضُحًى نصب على الظرف قال الجوهري: ضحوة النهار بعد طلوع الشمس ثم بعده الضحى وهو حين تشرق


(١) رواه البخاري في كتاب اللباس باب ٦٥. مسلم في كتاب الطهارة حديث ٥٢. الترمذي في كتاب الأدب باب ١٨ النسائي في كتاب الطهارة باب ١٤. أحمد في مسنده (٢/ ١٦، ٥٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>