للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المختارين معه ليسمعوا الكلام. ومن فوائد الفذلكة في قوله فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً إزالة وهم من يتوهم أن الميقات كان عشرين ثم أتمه بعشر فصار ثلاثين. والفرق بين الميقات والوقت أن الميقات ما قدر فيه عمل من الأعمال والوقت وقت الشيء قدره مقدرا أم لا. وانتصب أَرْبَعِينَ على الحال أي تم بالغا هذا العدد. وهارُونَ عطف بيان لِأَخِيهِ وقرىء بالضم على النداء اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي كن خليفتي فيهم وَأَصْلِحْ كن مصلحا أو أصلح ما يجب أن يصلح من أمور بني إسرائيل ومن دعاك إلى الإفساد فلا تتبعه.

وإنما جعله خليفة مع أنه شريكه في النبوّة بدليل وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي [طه: ٣٢] والشريك أعلى حالا من الخليفة لأن نبوّة موسى كانت بالأصالة ونبوّة هارون بتبعيته فكأنه خليفته ووزيره. وإنما وصاه بالإصلاح تأكيدا واطمئنانا وإلا فالنبي لا يفعل إلا الإصلاح. وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا اللام بمعنى الاختصاص كأنه قيل: اختص مجيئه بوقتنا الذي حددنا له كما يقال: أتيته لعشر خلون من شهر كذا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ للناس في كلام الله مذاهب فقيل:

هو عبارة عن هذه الحروف المؤلفة المنتظمة. وقيل: صفة حقيقية مخالفة للحروف والأصوات وعلى الأول فمحل تلك الحروف والأصوات هو ذات الله تعالى وهو قول الكرامية، أو جسم مغاير كالشجرة ونحوها وهو قول المعتزلة. وعلى التالي فالأشعرية قالوا إن موسى عليه السلام سمع تلك الصفة الأزلية لأنه كما لا يتعذر رؤيته عندنا مع أنه ليس بجسم ولا عرض فكذا لا يمتنع سماع كلامه مع أنه ليس بحرف ولا صوت. وقال أبو منصور الماتريدي: الذي سمعه موسى عليه السلام أصوات مقطعة وحروف مؤلفة قائمة بالشجرة «١» . واختلف العلماء أيضا في أن الله تعالى كلم موسى وحده لظاهر الآية أو مع السبعين المختارين وهو قول القاضي لأن تكليم الله موسى معجز وقد تقدمت نبوّة موسى فلا بد من ظهور هذا المعنى لغيره قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ أي أرني نفسك واجعلني متمكنا من رؤيتك فانظر إليك وأراك. عن ابن عباس: أن موسى عليه السلام جاء ومعه السبعون وصعد الجبل وبقي السبعون في أسفل الجبل وكلم الله موسى وكتب له في الألواح كتابا وقربه نجيا. فلما سمع صرير القلم عظم شوقه فقال رب أرني انظر إليك. قالت الأشاعرة إن موسى سأل الرؤية وأنه عارف بما يجب ويجوز ويمتنع على الله تعالى. فلو كانت الرؤية ممتنعة لما سألها. قال القاضي: للمحصلين من العلماء في هذا المقام أقوال: أحدها قول الحسن وغيره أن موسى ما عرف أن الرؤية غير جائزة على الله تعالى وهذا لا يقدح سبحانك في معرفته لأن العلم بامتناع الرؤية وجوازها لا يبعد أن يكون موقوفا على السمع، وزيف بأنه يلزم أن يكون موسى أدون حالا من علماء المعتزلة العالمين بامتناع الرؤية على الله


(١) لم يتم كلام الماتريدي وانظره في الفخر ليتم لك الفرق بينه وبين المعتزلة كتبه مصححة.

<<  <  ج: ص:  >  >>