للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القصة وإلا انخرم التناسب.

عن علي عليه السلام أن موسى وهارون انطلقا إلى سفح جبل فنام هارون فتوفاه الله تعالى، فلما رجع موسى إلى قومه قالوا إنه قتل هارون فاختار من قومه سبعين فذهبوا إلى هارون فأحياه الله تعالى فقال: ما قتلني أحد فأخذتهم الرجفة هنالك.

قيل: كانت موتا. وقيل أخذتهم الرعدة حتى كادت تبين مفاصلهم وتنقض ظهورهم فخاف موسى عليهم الموت فدعا الله تعالى وقال رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ قال في الكشاف: هذا تمن منه للإهلاك قبل أن يرى ما رأى كما يقول النادم على الأمر إذا رأى سوء المغبة لو شاء الله لأهلكني قبل هذا أَتُهْلِكُنا جميعا يعني نفسه وإياهم بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا قال أهل العلم: لا يجوز أن يظن موسى أن الله تعالى أهلك قوما بذنوب غيرهم، فهذا الاستفهام بمعنى الجحد أراد أنك لا تفعل ذلك كما تقول: أتهين من يخدمك تريد أنك لا تفعل ذلك، وقال المبرد: إنه استفهام استعطاف أي لا تهلكنا. قيل: لو كان تسفيههم لقولهم لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً [النساء:

١٥٣] ناسب أن يقال: أتهلكنا بما قاله السفهاء. فإذن التسفيه لفعل صدر عنهم كعبادة العجل أو غيرها، ومنه يعلم أن هذا الميقات غير ميقات طلب الرؤية إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ الضمير يعود إلى الفتنة أي كما تقول إن هو إلا زيد وإن هي إلا هند قاله الواحدي. ولعله يعود إلى مقدر ذهني والمعنى أن الفتنة التي وقع فيها السفهاء لم تكن إلا فتنتك ابتلاءك ومحنتك حين كلمتني وسمعوا كلامك أو حين أسمعتهم صوت العجل تُضِلُّ بِها أي بالفتنة من تشاء فيفتتن وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ فيثبت على الحق. قالت المعتزلة: إن محنته لما كانت سببا لأن ضلوا واهتدوا فكأنه أضلهم بها وهداهم على الاتساع في الكلام أو الضمير يعود إلى الرجفة أي تُضِلُّ على الجنة بسبب عدم الصبر على تلك الرجفة، أو لعدم الإيمان بأنها من عندك مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي إلى الجنة بها الأضداد ما قلنا مَنْ تَشاءُ أو المراد بالإضلال الإهلاك أي تهلك من تشاء بالرجفة وتصرفها عمن تشاء أَنْتَ وَلِيُّنا يفيد الحصر أي لا ولي لنا ولا ناصر إلا أنت فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا قيل: تذكر أن قوله إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ جراءة عظيمة فأشرك نفسه مع قومه في طلب المغفرة والرحمة وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ لأن غفرانك غير متوقف على جلب نفع أو دفع ضر بل لمحض الفضل والكرم. وَاكْتُبْ أوجب لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ نظيره سؤال المؤمنين من هذه الأمة رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً [البقرة: ٢٠١] وقد فسرناها في سورة البقرة. واعلم أن كونه تعالى وليا للعبد يناسبه أن يطلب العبد منه دفع

<<  <  ج: ص:  >  >>