للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الانتفاع من الرسالة وللخواص اختصاص بالانتفاع من النبوة، فمن أدى حقوق أحكام الرسالة في الظاهر يفتح له ببركة ذلك أحوال النبوة في الباطن فيصير صاحب الإشارات والإلهامات الصادقة والرؤيا الصالحة والهواتف المملكية، وربما يؤل حاله إلى أن يكون صاحب المكالمة والمشاهدة والمكاشفة، ولعله يصير مأمورا بدعوة الخلق إلى الحق بالمتابعة لا بالاستقلال كما

قال صلى الله عليه وآله: «علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل»

وأما اتباعه في مقام أميته فذلك لأخص الخواص وذلك أنه صلى الله عليه وآله يرجع بالسير من مقام بشريته إلى مقام روحانيته الأولى، ثم بجذبات الوحي أنزل في مقام التوحيد وهو قاب قوسين، ثم اختطف بأنوار الهوية عن أنانيته إلى أو أدنى وهو مقام روحانيته ثم بجذبات النبوة أنزل في مقام التوحيد، ثم اختطف بأنوار المتابعة عن أنانيته إلى مقام الوحدة فقد حظي من مقام أميته مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ بالحقيقة هو مكتوب عنده في مقعد صدق يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وهو طلب الحق وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ طلب ما سواه وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ كل ما يقرّب إلى الله فإن الله هو الطيب وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ الدنيا وما فيها وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ أي العهد الذي بين الله وبين حبيبه أو لا يوصل أحد إلى مقام أميته إلا أمته وأهل شفاعته كقوله: «الناس يحتاجون إلى شفاعتي حتى إبراهيم» فكان من هذا العهد عليهم شدة وأغلال يمنعهم من الوصول إلى هذا المقام. فقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم هذا الإصر والأغلال بالدعوة إلى متابعته، وأشار إلى هذه المعاني بقوله فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وقروه باعتقاد اختصاص هذا المقام به دون سائر الأنبياء والرسل ونصروه بالمتابعة وَاتَّبَعُوا نور الوحدة الذي أُنْزِلَ مَعَهُ له ملك سموات القلوب وأرض النفوس لا مدبر فيهما غيره، يحيي قلب من يشاء من عباده بنور الوحدة، ويميت نفسه عن صفات البشرية. وكلماته هي ما أوحى إليه ليلة المعراج بلا واسطة وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ يعني خواصهم الذين يرشدون الخلق بالكتاب المنزل بالحق على موسى وَبِهِ يَعْدِلُونَ في الحكم بين العوام فشتان بين أمة غايتهم القصوى هي هداية الخلق وكان نبيهم محجوبا بحجاب الأنانية عند سؤال الرؤية فأجيب ب لَنْ تَرانِي وبين أمة أمية بلغوا بجذبات أنوار المتابعة إلى مقام الوحدة حتى سموا أمة أميين

وقال في حقهم: «كنت له سمعا وبصرا ولسانا فبي يسمع وبي يبصر وبي ينطق» «١»

فلهذا دعا موسى عليه السلام:

اللهم اجعلني من أمة محمد صلى الله عليه وسلم شوقا إلى لقاء ربه فافهم جدا.


(١) رواه البخاري في كتاب الرقاق باب ٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>