للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نطقت به ألسنتهم من كلمة الإسلام فحقنوا دماءهم وأموالهم عاجلا، ثم لم يتوصلوا بذلك إلى نعيم الأبد باستبطانهم الكفر فيؤل حالهم إلى أنواع الحسرات وأصناف العقوبات بحال الذي استوقد نارا في توجه الطمع إلى تسني المطلوب بسبب مباشرة أسبابه القريبة مع تعقب الحرمان والخيبة لانقلاب الأسباب. والمراد بالذي استوقد إما جمع كقوله وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا [التوبة: ٦٩] وحذف النون لاستطالته بصلته، أو قصد جنس المستوقدين، أو أريد الجمع أو الفوج الذي استوقد نارا، ولولا عود الضمير إلى الذي مجموعا في قوله «بنورهم وتركهم» لم يحتج إلى التكلفات المذكورة، على أنه يمكن أن يشبه قصة جماعة بقصة شخص واحد نحو، مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ [الجمعة: ٥] ووقود النار سطوعها وارتفاع لهبها، وأوقدتها أنا واستوقدتها أيضا. والنار جوهر لطيف مضيء حارّ محرق، والنور ضوءها وضوء كل نير واشتقاقها من نار ينور إذا نفر، لأن فيها حركة واضطرابا والإضاءة فرط الإنارة جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً [يونس: ٥] وهي في الآية متعدية، ويحتمل أن تكون غير متعدية، مسندة إلى ما حوله، والتأنيث للحمل على المعنى، لأن ما حول المستوقد أماكن وأشياء، أو يستتر في الفعل اللازم ضمير النار ويجعل إشراق ضوء النار حوله بمنزلة إشراق النار نفسها على أن «ما» مزيدة أو موصولة في معنى الأمكنة، و «حوله» نصب على الظرف، وتأليفه للدوران والإطافة، والعام حول لأنه يدور. وجواب «لما ذهب الله بنورهم» فالضمير يعود إلى الذي استوقد نظرا إلى المعنى، كما أن الضمير في «حوله» راجع إليه من حيث اللفظ. وقيل: الأولى أن يقال: جوابه محذوف مثل فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ لما فيه من الوجازة مع الإعراب عن الصفة التي حصل عليها المستوقد بما هو أبلغ من الذكر في أداء المعنى، كأنه قيل: فلما أضاءت ما حوله كان ما كان من حصولهم خابطين في ظلام متحيرين خائبين فيها بعد الكدح في إحياء النار. ثم إن سائلا كأنه يسأل: ما بالهم قد أشبهت حالهم حال هذا المستوقد؟ فقيل له: ذهب الله بنورهم أي بنور المنافقين، وعلى هذا يحتمل أن يكون الذي مفردا، ويمكن أن يكون بدلا من جملة التمثيل على سبيل البيان أي مثلهم كمثل الذي استوقد نارا، وكمثل الذي ذهب الله بنورهم. ومعنى إسناد الفعل إلى الله أنه إذا أطفئت النار بسبب سماوي كريح أو مطر فقد أطفأها الله وذهب بنور المستوقد، أو يكون المستوقد مستوقد نار لا يرضاها الله. ثم إما أن تكون نارا مجازية كنار الفتنة والعداوة للإسلام، وتلك النار، متقاصرة مدة اشتعالها وإضاءتها، فمنافعها الدنيوية قليلة البقاء، وللباطل صولة، ثم تضمحل، ولريح الضلالة عصفة ثم تخفت. ونار العرفج مثل لثروة كل طماح كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ [المائدة: ٦٤] وإما نارا حقيقية أو قدها الغواة

<<  <  ج: ص:  >  >>