للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه الأمة على المعصية والضلالة إلا أنه طالما أعطى للأكثر حكم الكل وأطلق لفظ الكل على الأغلب. ثم لما رغبهم في الجهاد بعرض الثواب عليهم رغبتهم فيه بعرض العقاب فقال إِلَّا تَنْفِرُوا ورتب عليه ثلاث خصال: الأولى قوله يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً قيل: هو عذاب الدنيا. عن استنفرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتثاقلوا فأمسك الله عنهم المطر. وقال الحسن:

الله أعلم بالعذاب الذي كان ينزل عليهم. وقيل: هو عذاب الآخرة فإن الأليم لا يليق إلا به. وقيل: إنه تهديد بالعذاب المطلق الشامل للدارين. الثانية قوله وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ يعني قوما آخرين خيرا منهم وأطوع. قيل: هم أهل اليمن. عن أبي روق.

وقيل: أبناء فارس عن سعيد بن جبير. وقيل: يحتمل أن يراد بهم الملائكة. وقال الأصم:

معناه أنه يخرجه من بين أظهركم وهي المدينة والأصح إبقاء الآية على الإطلاق. الثالثة قوله وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً قال الحسن: الضمير لله وفيه أنه غني عنهم في نصرة دينه بل في كل شيء. وقال آخرون: الضمير للرسول لأن الله وعده أن يعصمه ووعد الله كائن لا محالة. وفي قوله وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ تنبيه على أنه قادر على نصرة رسوله بأي وجه أراد، وقادر على إيقاع العذاب بكل من يخالف أمره كائنا من كان. عن الحسن وعكرمة أن الآية منسوخة بقوله وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً [التوبة: ١٢٢] والصحيح أنها خطاب لمن استنفرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينفروا فلا نسخ.

قال الجبائي: في الآية دلالة على إبطال مذهب المرجئة من أن أهل القبلة لا وعيد لهم.

وقال القاضي: فيها دلالة على وجوب الجهاد سواء كان مع الرسول أولا لقوله تعالى ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ ولم ينص على أن القائل هو الرسول. ومن قال إن الضمير في قوله لا تَضُرُّوهُ عائد إلى الرسول فجوابه أن خصوص آخر الآية لا يمنع من عموم أولها. ثم رغبهم في الجهاد بطريق آخر فقال إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ وهذا كالتفسير لما تقدم.

والمعنى إن لم تشتغلوا بنصره فإن الله سينصره بدليل أن الله نصره وقواه حال ما لم يكن معه إلا رجل واحد ولا أقل من الواحد. وفيه أنه لما أوجب له النصرة وقتئذ فلن يخذله بعد ذلك. وقوله إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا أي ألجئوه إلى أن خرج ظرف لنصره، وثانِيَ اثْنَيْنِ نصب على الحال ومعناه أحد اثنين لأنه إذا حضر اثنان فكل واحد منهما ثان للآخر وواحد منهما. وقوله إِذْ هُما فِي الْغارِ بدل من إذ أخرجه وإِذْ يَقُولُ بدل ثان والغار نقب عظيم في الجيل والمراد به هاهنا نقب في أعلى ثور وهو جبل في يمين مكة على مسيرة ساعة. واعلم أنا قد ذكرنا في سورة الأنفال

أن قريشا ومن بمكة تعاقدوا على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا [الأنفال: ٣٠] فأمره

<<  <  ج: ص:  >  >>