للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الزمر: ٥٣] يا أَيُّهَا النَّبِيُّ [الأحزاب: ٤٥] لأن ما يعقبها أمور عظام وخطوب جسام من الأوامر والنواهي والعظات، عليهم أن يتيقظوا لها ويميلوا بقلوبهم وبصائرهم إليها. وأي وصلة إلى نداء ما فيه الألف واللام، وهو اسم مبهم يوصف باسم جنس ليصح المقصود بالنداء مع ضرب من التأكيد المستفاد من الإبهام ثم التوضيح. وفي حرف التنبيه المقحم فائدتان: معاضدة حرف النداء بتأكيد معناه ووقوعها عوضا مما يستحقه أي من الإضافة. ثم إن قلنا: إن الخطاب عام لجميع المكلفين لأن الجمع المعرف باللام يفيد العموم بدليل صحة تأكيده «بكل» و «أجمعون» في مثل قوله فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ [ص: ٧٣] ، بدليل صحة الاستثناء، فالأقرب أنه لا يتناول إلا الموجودين في ذلك العصر، وإنما يتناول الذين سيوجدون بدليل منفصل هو ما عرف بالتواتر من دين محمد صلى الله عليه وسلم، أن حكم الموجودين في عصره حكم من سيوجد إلى قيام الساعة. وإن قلنا: إن الخطاب لمشركي مكة فيدخل سائر الناس بالتبعية على قياس ما قلنا.

والمراد من قوله «اعبدوا» صححوا نسبة العبادة، وذلك بأن يعرف نفسه بالإمكان ليعرف ربه بالوجوب، ويعرف نفسه بالمملوكية ليعرف ربه بالمالكية، ويعرف نفسه بالمقهورية والمقدورية ليعرف ربه بالقاهرية والقادرية، ويعرف نفسه بالمأمورية والذلة ليعرف ربه بالآمرية والعزة، فلا يتجاوز حده ولا يعكس هذه القضايا فلا يرى لنفسه تصرفا بوجه من الوجوه ولا قدرة بنوع من الأنواع، وإنما يكون عبدا ذليلا ماثلا بين يدي مولاه، طائعا له بكل ما يأمره وينهاه، لأنه إذا تصور كونه عبدا فلا بد أن يطلب لنفسه سيدا، وإذا وجد السيد فلا محالة يوطن نفسه لطاعته وانقياده، ولا يرى مخالفته في شيء أصلا إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ [البقرة: ١٣١] وإلا لم تصح نسبة عبوديته. عن الأصمعي أنه أتى بغلام ليشتريه فقال له: ما اسمك؟ قال: ما تسميني قال: أي شيء تأكل؟

قال: ما تطعمني. قال: ما تشرب؟ قال: ما تسقيني قال: تريد أن أشتريك؟ قال: العبد لا يكون له إرادة والأمر بالعبادة بهذا المعنى يشمل الكافر والمؤمن وكل من فيه أهلية الخطاب، ويندرج فيه المبادي والنهايات والأصول والفروع. ثم إنه تعالى لما علم القصور البشري وضعف قواهم الفطرية والفكرية أرشدهم إليه ونبههم عليه بقوله «ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم» واعلم أن الطريق إلى معرفة الواجب سبحانه وتعالى بعد ما قلنا من الرجوع إلى النفس والتنبه لسمة العبودية، إما الإمكان أو الحدوث أو مجموعهما، وكل منهما في الجواهر أو في الأعراض أما الاستدلال بإمكان الذوات فإليه الإشارة بقوله تعالى وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ [محمد: ٣٨] وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى [النجم: ٤٢] وأما

<<  <  ج: ص:  >  >>