للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل فنزلت إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى الآية.

قال مجاهد والحسن ومقاتل: ثامنهم فأغلى ثمنهم.

وقال جعفر الصادق عليه السلام: والله ما لأبدانكم ثمن إلا الجنة فلا تبيعوها إلا بها.

واعلم أن هذا الاشتراء وقع مجازا عن الجزاء لأن المشتري إنما يشتري ما لا يملك والعبد وما يملكه لمولاه. ولهذا قال الحسن: اشترى أنفسا هو خلقها وأموالا هو رزقها. والمراد بأنفسهم النفوس المجاهدة وبأموالهم التي ينفقونها في أسباب الجهاد وعلى أنفسهم وأهليهم وعيالهم على الوجه المشروع. وهاهنا نكتة هي أن قيم الطفل له أن يبيع مال الطفل من نفسه بشرط رعاية الغبطة، ففي هذه الآية البائع والمشتري هو الله ففيه تنبيه على أن العبد كالطفل الذي لا يهتدي إلى مصالح نفسه وأنه تعالى هو المراعي لمصالحه حتى يوصله إلى أنواع الخيرات وأصناف العادات. وبوجه آخر الإنسان بالحقيقة عبارة عن الجوهر المجرد الذي هو من عالم الأرواح وهذا البدن وما يحتاج اليه من ضرورات المعاش كالآلات والوسائط لتحصيل الكمالات الموصلة الى الدرجات العاليات فالبائع هو جوهر الروح القدسي، والمشتري هو الله، وأحد العوضين الجسد البالي والمال الفاني، والعوض الآخر الجنة الباقية والسعادات الدائمة، فالربح حاصل والخسران زائل ولهذا قال فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وفي قوله يُقاتِلُونَ معنى الأمر كقوله وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ [الصف: ١١] وهو كالتفسير لتلك المبايعة فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ أي إنهم يقتلون الكفار فلا يرجعون عنهم حتى يصيروا مقتولين. ومن قرأ بتقديم المجهول فمعناه أن طائفة منهم إذا صاروا مقتولين لم يصر ذلك رادعا للباقين عن المقاتلة بقدر الإمكان. ومن العلماء من خصص هذا الوعد بجهاد السيف لظاهر قوله:

يُقاتِلُونَ. والتحقيق أن كل أنواع الجهاد يدخل فيه لأن الجهاد بالحجة والدعوة إلى دلائل التوحيد أكمل أثرا من القتال ولهذا

قال صلى الله عليه وسلم لعلي عليه السلام: «لأن يهدي الله على يدك رجلا خير لك مما طلعت عليه الشمس» «١»

ولأن الجهاد بالسيف لا يحسن إلا بعد تقديم الجهاد بالحجة، ولأن الإنسان جوهر شريف فمتى أمكن إزالة صفاته الرذيلة مع إبقاء ذاته الشريفة كان أولى من إفناء ذاته، ألا ترى أن جلد الميتة لما كان منتفعا به من بعض الوجوه حث الشرع على إبقائه

فقال: «هلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به» «٢»

قوله


(١) رواه البخاري في كتاب الجهاد باب ١٠٢. مسلم في كتاب فضائل الصحابة حديث ٣٥. أحمد في مسنده (٥/ ٢٣٨) .
(٢) رواه مسلم في كتاب الحيض حديث ١٠٠، ١٠٢. أبو داود في كتاب اللباس باب ٣٨. النسائي في كتاب الفرع باب ٥. أحمد في مسنده (٤/ ٣٢٩، ٣٣٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>