للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جواب الشرط كما في قوله: إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ [التوبة: ٥٨] وفائدته أن يعلم أنهم فاجأوا وقوع المكر منهم في وقت الإذاقة وسارعوا إليه ولم يلبثوا قدر ما ينفضون عن رؤوسهم غبار الضر ولهذا قال سبحانه قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً يقدر على إيصال جزاء مكرهم إليهم قبل أن يرتد إليهم طرفهم ولكنه يمهلهم لأجل معلوم ليتضاعف خبثهم مع كونه محفوظا بيانه قوله إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ وقد مر تحقيق هذا في تفسير قوله: وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً [الأنعام: ٦٢] . واعلم أن مضمون هذه الآية قريب من مضمون قوله: وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ [يونس: ١٢] إلا أن هذه زائدة عليها بدقيقة هي أنهم بعد الإعراض عن الدعاء يطلبون الغوائل ويقابلون الرحمة بالمكر والخديعة ولا يرضون رأسا برأس. ثم ضرب لأجل ما وصفهم به مثالا حتى ينكشف المقصود تمام الانكشاف فقال: هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ ومن قرأ ينشركم فكقوله:

فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ [الجمعة: ١٠] قال بعض العلماء: المسير في البحر هو الله سبحانه وتعالى، وأما في البر فالمراد من التسيير التمكين والإقدار. والحق أن جميع الأفعال والحركات مستندة إلى إحداث الله تعالى، غاية ذلك أن آثار إقداره وإحداثه في البحر أظهر كما مر في تفسير قوله: وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ [البقرة: ١٦٤] قال القفال: هو الله الهادي لكم إلى السير في البحر طلبا للمعاش، وهو المسير لكم لأجل أنه هيأ لكم أسباب ذلك السير. وحتى لانتهاء الغاية والغاية مضمون الجملة الشرطية بكمالها، فالقيود المعتبرة في الشرط ثلاثة: أولها الكون في الفلك، وثانيها جري الفلك بهم بالريح الطيبة، والضمير في جَرَيْنَ للفلك على أنها جمع كما مر. وثالثها فرحهم بها. والقيود المعتبرة في الجزاء ثلاثة أيضا: أوّلها جاءَتْها أي الفلك أو الريح الطيبة تلتها ريح عاصف ذات عصوف كلابن لذات اللبن، أو لأن لفظ الريح مذكر والعصوف شدة هبوب الريح. وثانيها وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ أي من جميع جوانب أحياز الفلك، والموج ما ارتفع من الماء فوق البحر. وثالثها وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ أي غلب على ظنونهم الهلاك. وأصله أن العدوّ إذا أحاط بقوم أو بلد فقد دنوا من البوار، فجعل إحاطة العدوّ بالشخص مثلا في الهلاك. وقرىء في الفلكي والياء زائدة كما في «الأحمري» أو أريد به الماء الغمر الذي لا تجري الفلك إلا فيه. قال في الكشاف: وإنما التفت في قوله:

وَجَرَيْنَ بِهِمْ إلى آخره من الخطاب الى الغيبة للمبالغة كأنه يذكر لغيرهم حالهم ليعجبهم منها ويستدعي منهم الإنكار والتقبيح. وقال الإمام فخر الدين الرازي: الانتقال من مقام الخطاب إلى مقام الغيبة في هذه الآية دليل المقت والتبعيد كما أن عكس ذلك في

<<  <  ج: ص:  >  >>