للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قرأ بغير همز. وعلى هذا فالمراد أنهم اتبعوك في الظاهر وباطنهم بخلافه، أو اتبعوك وقت حدوث ظاهر رأيهم فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. ويجوز أن يتعلق بادِيَ الرَّأْيِ بقوله: أَراذِلُنا أي كونهم كذلك أمر ظاهر لكل من يراهم عيانا، ويتأكد هذا التأويل بما نقل عن مجاهد أنه قرأ إلا الذين هم أراذلنا رأي العين وإنما استرذلوا المؤمنين لاعتقادهم أن المزية عند الله سبحانه بالمال والجاه ولم يعلموا أن ذلك مبعد من الحق لا مقرب منه، وأن الأنبياء ما بعثوا إلا لترك الدنيا والإقبال على الآخرة فكيف يجعل قلة المال طعنا في النبوة وفي متابعة النبي. الشبهة الثالثة: وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ لا في العقل ولا في كيفية رعاية المصالح ولا في قوة الجدل بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ خطاب لنوح ولمن آمن به بتبعيته، أو خطاب للأراذل كأنهم نسبوهم إلى الكذب في ادعاء الإيمان. ثم حكى ما أجاب به نوح قومه وهو أن حصول المساواة في صفة البشرية لا يمنع من حصول المفارقة في صفة النبوة وذلك قوله: أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ برهان مِنْ رَبِّي وَآتانِي بإيتاء تلك البينة رَحْمَةً وعلى هذا البينة هي الرحمة، ويجوز أن يريد بالبينة المعجزة وبالرحمة النبوة وقيل بالعكس فَعُمِّيَتْ خفيت أو أخفيت البينة أو كل من البينة والرحمة أي صارت مظلمة مشتبهة في عقولكم. والبينة توصف بالإبصار والعمى مجازا باعتبار نتيجتها كما أن دليل القوم إن كان بصيرا اهتدوا وإن كان أعمى بقوا خابطين متحيرين. ثم قال: أَنُلْزِمُكُمُوها

أي أنكرهكم على قبول البينة وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ والمراد أنا لا نقدر على إيصال حقيقة البينة إليك. وإنما يقدر على ذلك من هو قادر على الإيجاد والإعدام وتغيير الأحوال وتبديل الأخلاق. ثم ذكر أنه لا يطلب على تبليغ الرسالة مالا حتى يتفاوت الحال بسبب كون المجيب غنيا أو فقيرا وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا عن ابن جريج أنهم قالوا: إن أحببت يا نوح أن نتبعك فاطردهم فإنا لا نرضى بمشاركتهم، فلم يبذل ملتمسهم وعلل ذلك بقوله إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ فيعاقب من يطردهم أو يلاقونه فيجازيهم على ما في قلوبهم من الإيمان الصحيح أو النفاق بزعمكم، أو المراد أنهم معتقدون لقاء ربهم وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ لقاء ربكم وأنهم خير منكم، أو قوما تسفهون حيث تسمون المؤمنين أراذل.

ثم أكد عدم طردهم بقوله: وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ من يمنعني من عقابه إِنْ طَرَدْتُهُمْ لأن العقل والشرع توافقا على أنه لا بد من تعظيم المؤمن البر المتقي ومن إهانة الكافر الفاجر فكيف يليق بنبي الله أن يقلب هذه القضية. سؤال: إن كان طرد المؤمن لطلب مرضاة الكافر معصية فكيف فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نهي عنه بقوله: وَلا

<<  <  ج: ص:  >  >>