للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفود الحاج عما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: أحاديث الأوّلين وأباطيلهم، ليس فيه شيء من العلوم والفصاحة والحقائق والدقائق. ثم إنه تعالى اقتصر في جواب شبههم على محض الوعيد لأنه قد ثبت بالتحدي كما مر ذكره مرارا أن القرآن معجز تحدوا بالقرآن جملة ثم بعشر سور ثم بسورة فعجزوا عن المعارضة فكان طعنهم فيه بعد ذلك مجرد المكابرة والعناد فلم يستحقوا في الجواب إلا التهديد والوعيد. واللام في قوله:

لِيَحْمِلُوا ليس لام الغرض لأنهم لم يصفوا القرآن بكونه أساطير لغرض حمل الأوزار، ولكن لما كانت عاقبتهم ذلك حسن التعليل به فكان لام العاقبة. وقوله: كامِلَةً معناه أنه تعالى لا يخفف من عقابهم شيئا، وفيه دليل على أنه تعالى قد يسقط بعض العقاب عن المؤمنين لأن هذا المعنى لو كان حاصلا في حق الكل لم يكن لتخصيص هؤلاء الكفار بهذا التكميل فائدة. قال الواحدي: لفظة «من» في قوله: وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ ليست للتبعيض فإنه لا يخفف عن الأتباع بعض أوزارهم

لقوله صلى الله عليه وسلم «أيما داع دعا إلى الضلال فاتبع كان عليه وزر من اتبعه لا ينقص من آثامهم شيء» «١»

ولكنها للابتداء أي ليحملوا ما قد نشأ من أوزار الاتباع، أو للبيان أي ليحملوا ما هو من جنس أوزار تبعهم. ومعنى بِغَيْرِ عِلْمٍ أن هؤلاء الرؤساء إنما يقدمون على هذا الإضلال جهلا منهم بما يستحقونه من العذاب الشديد على ذلك الإضلال. وقال في الكشاف: بِغَيْرِ عِلْمٍ حال من المفعول أي يضلون من لا يعلم أنهم ضلال. وإنما وصف بالضلال واحتمال الوزر من أضلوه وإن لم يعلم لأنه كان عليه أن يبحث وينظر بعقله حتى يميز بين المحق والمبطل.

ثم أوعدهم بما هو النهاية في التهديد فقال: أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ وزرهم. ثم حكى حال أضرابهم من المتقدمين فقال: قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ذهب أكثر المفسرين إلى أن المراد به نمروذ بن كنعان بنى صرحا عظيما ببابل طوله خمسة آلاف ذراع- وقيل فرسخان- ورام الصعود إلى السماء ليقاتل أهلها فأهب الله الريح فخر عليه وعلى قومه فهلكوا، وألقت رأس الصرح في البحر فأحدث نمروذ وتبلبلت يومئذ ألسن الناس من الفزع فتكلموا بثلاثة وتسعين لسانا ولذلك سميت ببابل، وكان لسان الناس قبل ذلك بالسريانية، وابتلاه الله ببعوضة دخلت دماغه والحكاية مشهورة. والأصح أن الآية عامة في جميع المبطلين الذين يحاولون إلحاق الضرر بالمحقين. وعلى القول الأوّل معنى قوله: فَأَتَى اللَّهُ أي أمره وحكمه بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ وهي أساطين البناء التي تعمده أو الأساس أنه أسقط


(١) رواه مسلم في الزكاة حديث: ٧٠. الترمذي في كتاب العلم باب: ١٦. ابن ماجه في كتاب المقدمة باب: ١٤. أحمد في مسنده (٥/ ٣٨٧) بغير هذا اللفظ.

<<  <  ج: ص:  >  >>